الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له وأول ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انفتل من صلاة الغداة يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا يسألهم عن ذلك ليستبشر بما وقع من ذلك مما فيه ظهور الدين وإعزازه وأما السبب في كون الرؤيا مدركا للغيب فهو أن الروح القلبي وهو البخار اللطيف المنبعث من تجويف القلب اللحمي ينتشر في الشريانات ومع الدم في سائر البدن وبه تكمل أفعال القوى الحيوانية وإحساسها فإذا أدركه الملال بكثرة التصرف في الإحساس بالحواس الخمس وتصريف القوى الظاهرة وغشي سطح البدن ما يغشاه من برد الليل انحبس الروح من سائر أقطار البدن إلى مركزه القلبي فيستحم بذلك لمعاودة فعله فتعطلت الحواس الظاهرة كلها وذلك هو معنى النوم كما تقدم في أول الكتاب ثم إن هذا الروح القلبي هو مطية للروح العاقل من الانسان والروح العاقل مدرك لجميع ما في عالم الامر بذاته إذ حقيقته وذاته عين الادراك وإنما يمنع من تعلقه للمدارك الغيبية ما هو فيه من حجاب الاشتغال بالبدن وقواه وحواسه فلو قد خلا من هذا الحجاب وتجرد عنه لرجع إلى حقيقته وهو عين الادراك فيعقل كل مدرك فإذا تجرد عن بعضها خفت شواغله فلا بد له من إدراك لمحة من عالمه بقدر ما تجرد له وهو في هذه الحالة قد خفت شواغل الحس الظاهر كلها وهي الشاغل الأعظم فاستعد لقبول ما هنالك من المدارك اللائقة من عالمه وإذا أدرك ما يدرك من عوالمه رجع إلى بدنه إذ هو ما دام في بدنه جسماني لا يمكنه التصرف إلا بالمدارك الجسمانية والمدارك الجسمانية للعلم إنما هي الدماغية والمتصرف منها هو الخيال فإنه ينتزع من الصور المحسوسة صورا خيالية ثم يدفعها إلى الحافظة تحفظها له إلى وقت الحاجة إليها عند النظر والاستدلال وكذلك تجرد النفس منها صورا أخرى نفسانية عقلية فيترقى التجريد من المحسوس إلى المعقول والخيال واسطة بينهما ولذلك إذا أدركت النفس من عالمها ما تدركه ألقته إلى الخيال فيصوره بالصورة المناسبة له ويدفعه إلى الحس المشترك فيراه النائم كأنه محسوس فيتنزل المدرك من الروح العقلي إلى الحسي والخيال أيضا واسطة هذه حقيقة
(٤٧٦)