تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٧٥
علم منهم فضله واقتداؤه حمل على القصد الجميل من هذا وأن العبارة عن المواجد صعبة لفقدان الوضع لها كما وقع لابي يزيد وأمثاله ومن لم يعلم فضله ولا اشتهر فمؤاخذ بما صدر عنه من ذلك إذا لم يتبين لنا ما يحملنا على تأويل كلامه وأما من تكلم بمثلها وهو حاضر في حسه ولم يملكه الحال فمؤاخذ أيضا ولهذا أفتى الفقهاء وأكابر المتصوفة بقتل الحلاج لأنه تكلم في حضور وهو مالك لحاله والله أعلم وسلف المتصوفة من أهل الرسالة أعلام الملة الذين أشرنا إليهم من قبل لم يكن لهم حرص على كشف الحجاب ولا هذا النوع من الادراك إنما همهم الاتباع والاقتداء ما استطاعوا ومن عرض له شئ من ذلك أعرض عنه ولم يحفل به بل يفرون منه ويرون أنه من العوائق والمحن وأنه إدراك من إدراكات النفس مخلوق حادث وأن الموجودات لا تنحصر في مدارك الانسان وعلم الله أوسع وخلقه أكبر وشريعته بالهداية أملك فلا ينطقون بشئ مما يدركون بل حظروا الخوض في ذلك ومنعوا من يكشف له الحجاب من أصحابهم من الخوض فيه والوقوف عنده بل يلتزمون طريقتهم كما كانوا في عالم الحس قبل الكشف من الاتباع والاقتداء ويأمرون أصحابهم بالتزامها وهكذا ينبغي أن يكون حال المريد والله الموفق للصواب الفصل الثاني عشر في علم تعبير الرؤيا هذا لعلم من العلوم الشرعية وهو حادث في الملة عندما صارت العلوم صنائع وكتب الناس فيها وأما الرؤيا والتعبير لها فقد كان موجودا في السلف كما هو في الخلف وربما كان في الملوك والأمم من قبل إلا أنه لم يصل إلينا للاكتفاء فيه بكلام المعبرين من أهل الاسلام وإلا فالرؤيا موجودة في صنف البشر على الاطلاق ولا بد من تعبيرها فلقد كان يوسف الصديق صلوات الله عليه يعبر الرؤيا كما وقع في القرآن وكذلك ثبت عن الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر رضي الله عنه والرؤيا مدرك من مدارك الغيب وقال صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوءة وقال لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا
(٤٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»