تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٦٥
المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الامامية من قولهم إنها من عقائد الايمان وإنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة علم الكلام إما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل وإما لان سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي وكثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني فتصدر للإمامة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والانظار وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء وأن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمانين وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الايمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها وأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول وجملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية إلا أن صور الأدلة تعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملة ولو ظهر منها بعض الشئ فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة للعقائد الشرعية بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك ثم جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطريقة كتاب الشامل وأوسع القول فيه ثم لخصه في كتاب الارشاد واتخذه الناس إماما لعقائدهم ثم انتشرت من بعد ذلك علوم المنطق في الملة وقرأه الناس وفرقوا بينه وبين العلوم الفلسفية بأنه قانون ومعيار للأدلة فقط يسبر به الأدلة منها كما يسبر من سواها ثم نظروا في تلك القواعد المقدمات في فن الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين التي
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»