تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤١
مثل ذلك فبطريق إلهامي لا بفكر وروية ومنها السعي في المعاش والاعتمال في تحصيله من وجوهه واكتساب أسبابه لما جعل الله فيه من الافتقار إلى الغذاء في حياته وبقائه وهداه إلى التماسه وطلبه قال تعالى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ومنها العمران وهو التساكن والتنازل في مصر أو حلة للانس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش كما نبينه ومن هدا العمران ما يكون بدو يا وهو الذي يكون في الضواحي وفي الجبال وفي الحلل المنتجعة في القفار وأطراف الرمال ومنه ما يكون حضريا وهو الذي بالامصار والقرى والمدن والمدر للاعتصام بها والتحصن بجدرانها وله في كل هذه الأحوال أمور تعرض من حيث الاجتماع عروضا ذاتيا له فلا جرم انحصر الكلام في هذا الكتاب في ستة فصول. الأول في العمران البشري على الجملة وأصنافه وقسطه من الأرض. والثاني في العمران البدوي وذكر القبائل والأمم الوحشية. والثالث في الدول والخلافة والملك وذكر المراتب السلطانية والرابع في العمران الحضري والبلدان والأمصار. والخامس في الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه. والسادس في العلوم واكتسابها وتعلمها. وقد قدمت العمران البدوي لأنه سابق على جميعها كما نبين لك بعد وكذا تقديم الملك على البلدان والأمصار وأما تقديم المعاش فلان المعاش ضروري طبيعي وتعلم العلم كمالي أو حاجي والطبيعي أقدم من الكمالي وجعلت الصنائع مع الكسب لأنها منه ببعض الوجوه ومن حيث العمران كما نبين لك بعد والله الموفق للصواب والمعين عليه الفصل الأول من الكتاب الأول في العمران البشري على الجملة وفيه مقدمات الأولى في أن الاجتماع الانساني ضروري ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم الانسان مدني بالطبع أي لا بدله من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران وبيانه أن الله سبحانه خلق الانسان وركبه على صورة لا يصح
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»