تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٤
دون ذلك بما يفرضه الحاكم لنفسه أو بالعصبية التي يقتدر بها على قهرهم وحملهم على جادته فأهل الكتاب والمتبعون للأنبياء قليلون بالنسبة إلى المجوس الذين ليس لهم كتاب فإنهم أكثر أهل العالم ومع ذلك فقد كانت لهم الدول والآثار فضلا عن الحياة وكذلك هي لهم لهذا العهد في الأقاليم المنحرفة في الشمال والجنوب بخلاف حياة البشر فوضى دون وازع لهم البتة فإنه يمتنع وبهذا يتبين لك غلطهم في وجوب النبوات وأنه ليس بعقلي وإنما مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من الأمة والله ولي التوفيق والهداية المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرض والإشارة إلى بعض ما فيه من الأشجار والأنهار والأقاليم إعلم أنه قد تبين في كتب الحكماء الناظرين في أحوال العالم أن شكل الأرض كروي وأنها محفوفة بعنصر الماء كأنها عنبة طافية عليه فانحسر الماء عن بعض جوانبها لما أراد الله من تكوين الحيوانات فيها وعمرانها بالنوع البشري الذي له الخلافة على سائرها وقد يتوهم من ذلك أن الماء تحت الأرض وليس بصحيح وإنما التحت الطبيعي قلب الأرض ووسط كرتها الذي هو مركزها والكل يطلبه بما فيه من الثقل وما عدا ذلك من جوانبها وأما الماء المحيط بها فهو فوق الأرض وإن قيل في شئ منها إنه تحت الأرض فبالإضافة إلى جهة أخرى منه. وأما الذي انحسر عنه الماء من الأرض فهو النصف من سطح كرتها في شكل دائرة أحاط العنصر المائي بها من جميع جهاتها بحرا يسمى البحر المحيط ويسمى أيضا لبلايه بتفخيم اللام الثانية ويسمى أوقيانوس أسماء أعجمية ويقال له البحر الأخضر والأسود ثم إن هذا المنكشف من الأرض للعمران فيه القفار والخلاء أكثر من عمرانه والخالي من جهة الجنوب منه أكثر من جهة الشمال وإنما المعمور منه أميل إلى الجانب الشمالي على شكل مسطح كروي ينتهي من جهة الجنوب إلى خط الاستواء ومن جهة الشمال إلى خط كروي ووراءه الجبال الفاصلة بينه وبين الماء العنصري الذي
(٤٤)
مفاتيح البحث: أهل الكتاب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»