مناسب لعصبيتهم وغلبهم وليس ذلك سدى فيهم ولا وجد عبثا منهم والملك أنسب المراتب والخيرات لعصبيتهم فعلمنا بذلك أن الله تأذن لهم بالملك وساقه إليهم وبالعكس من ذلك إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طرقها فتفقد الفضائل السياسية منهم جملة ولا تزال في انتقاص إلى أن يخرج الملك من أيديهم ويتبدل به سواهم ليكون نعيا عليهم في سلب ما كان الله قد أتاهم من الملك وجعل في أيديهم من الخير وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا واستقرئ ذلك وتتبعه في الأمم السابقة تجد كثيرا مما قلناه ورسمناه والله يخلق ما يشاء ويختار واعلم أن من خلال الكمال التي يتنافس فيها القبائل ألو العصبية وتكون شاهدة لهم بالملك إكرام العلماء والصالحين والاشراف وأهل الا حساب وأصناف التجار والغرباء وإنزال الناس منازلهم وذلك أن إكرام القبائل وأهل العصبيات والعشائر لمن يناهضهم في الشرف ويجاذبهم حبل العشير والعصبية ويشاركهم في اتساع الجاه أمر طبيعي يحمل عليه في الأكثر الرغبة في الجاه أو المخافة من قوم المكرم أو التماس مثلها منه وأما أمثال هؤلاء ممن ليس لهم عصبية تتقى ولا جاه يرتجى فيندفع الشك في شأن كرامتهم ويتمحض القصد فيهم أنه للمجد وانتحال الكمال في الخلال والاقبال على السياسة بالكلية لان إكرام أقتاله وأمثاله ضروري في السياسة الخاصة بين قبيله ونظرائه وإكرام الطارئين من أهل الفضائل والخصوصيات كمال في السياسة العامة فالصالحون للدين والعلماء للجائي إليهم في إقامة مراسم الشريعة والتجار للترغيب حتى تعم المنفعة بما في أيديهم والغرباء من مكارم الاخلاق وإنزال الناس منازلهم من الانصاف وهو من العدل فيعلم بوجود ذلك من أهل عصبيته انتماؤهم للسياسة العامة وهي الملك وأن الله قد تأذن بوجودها فيهم لوجود علاماتها ولهذا كان أول ما يذهب من القبيل أهل الملك إذا تأذن الله تعالى بسلب ملكهم وسلطانهم إكرام هذا الصنف من الخلق فإذا رأيته قد ذهب من أمة من الأمم فاعلم أن الفضائل قد أخذت في الذهاب عنهم وارتقب زوال الملك منهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له والله تعالى أعلم
(١٤٤)