فيأذنون بالانقراض وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلا عن الملك فإن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلا عن المطالبة والتهمتهم الأمم سواهم فقد تبين أن الترف من عوائق الملك والله يؤتي ملكه من يشاء الفصل التاسع عشر في أن من عوائق الملك المذلة للقبيل والانقياد إلى سواهم وسبب ذلك أن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها فما رئموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزا عن المقاومة والمطالبة واعتبر ذلك في بني إسرائيل لما دعاهم موسى عليه السلام إلى ملك الشام وأخبرهم بأن الله قد كتب لهم ملكها كيف عجزوا عن ذلك وقالوا إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها أي يخرجهم الله تعالى منها بضرب من قدرته غير عصبيتنا وتكون من معجزاتك يا موسى ولما عزم عليهم لجوا وارتكبوا العصيان وقالوا له اذهب أنت وربك فقاتلا وما ذلك إلا لما أنسوا من أنفسهم من العجز عن المقاومة والمطالبة كما تقتضيه الآية وما يؤثر في تفسيرها وذلك بما حصل فيهم من خلق الانقياد وما رئموا من الذل للقبط أحقابا حتى ذهبت العصبية منهم جملة مع أنهم لم يؤمنوا حق الايمان بما أخبرهم به موسى من أن الشام لهم وأن العمالقة الذين كانوا بأريحا فريستهم بحكم من الله قدره لهم فأقصروا عن ذلك وعجزوا تعويلا على ما في أنفسهم من العجز عن المطالبة لما حصل لهم من خلق المذلة وطعنوا فيما أخبرهم به نبيهم من ذلك وما أمرهم به فعاقبهم الله بالتيه وهو أنهم تاهوا في قفر من الأرض ما بين الشام ومصر أربعين سنة لم يأووا فيها العمران ولا نزلوا مصرا ولا خالطوا بشرا كما قصه القرآن لغلظة العمالقة بالشام والقبط بمصر عليهم لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه ويظهر من مساق الآية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة وتخلقوا به وأفسدوا من عصبيتهم حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف الاحكام والقهر ولا يسام بالمذلة فنشأت بذلك عصبية أخرى اقتدروا بها
(١٤١)