تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٤٣
للانسان خاصة لا للحيوان فإذا خلال الخير فيه هي التي تناسب السياسة والملك إذ الخير هو المناسب للسياسة وقد ذكرنا أن المجد له أصل يبنى عليه وتتحقق به حقيقته وهو العصبية والعشير وفرع يتمم وجوده ويكمله وهو الخلال وإذا كان الملك غاية للعصبية فهو غاية لفروعها ومتمماتها وهي الخلال لان وجوده دون متمماته كوجود شخص مقطوع الأعضاء أو ظهوره عريانا بين الناس وإذا كان وجود العصبية فقط من غير انتحال الخلال الحميدة نقصا في أهل البيوت والأحساب فما ظنك بأهل الملك الذي هو غاية لكل مجد ونهاية لكل حسب وأيضا فالسياسة والملك هي كفالة للخلق وخلافة لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم وأحكام الله في خلقه وعباده إنما هي بالخير ومراعاة المصالح كما تشهد به الشرائع وأحكام البشر إنما هي من الجهل والشيطان بخلاف قدرة الله سبحانه وقدره فإنه فاعل للخير والشر معا ومقدرهما إذ لا فاعل سواه فمن حصلت له العصبية الكفيلة بالقدرة وأونست منه خلال الخير المناسبة لتنفيذ أحكام الله في خلقه فقد تهيأ للخلافة في العباد وكفالة الخلق ووجدت فيه الصلاحية لذلك وهذا البرهان أوثق من الأول وأصح مبنى فقد تبين أن خلال الخير شاهدة بوجود الملك لمن وجدت له العصبية فإذا نظرنا في أهل العصبية ومن حصل لهم من الغلب على كثير من النواحي والأمم فوجدناهم يتنافسون في الخير وخلاله من الكرم والعفو عن الزلات والاحتمال من غير القادر والقرى للضيوف وحمل الكل وكسب المعدم والصبر على المكاره والوفاء بالعهد وبذل الأموال في صون الاعراض وتعظيم الشريعة وإجلال العلماء الحاملين لها والوقوف عند ما يحددونه لهم من فعل أو ترك وحسن الظن بهم واعتقاد أهل الدين والتبرك بهم ورغبة الدعاء منهم والحياء من الأكابر والمشايخ وتوقيرهم وإجلالهم والانقياد إلى الحق مع الداعي إليه وإنصاف المستضعفين من أنفسهم والتبذل في أحوالهم والانقياد للحق والتواضع للمسكين واستماع شكوى المستغيثين والتدين بالشرائع والعبادات والقيام عليها وعلى أسبابها والتجافي عن الغدر والمكر والخديعة ونقض العهد وأمثال ذلك علمنا أن هذه خلق السياسة قد حصلت لديهم واستحقوا بها أن يكونوا ساسة لمن تحت أيديهم أو على العموم وأنه خير ساقه الله تعالى إليهم
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»