تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١١١
أحوالهم من يفهم عنهم من أهل الذوق مع أنهم غير مكلفين ويقع لهم من الاخبار عن المغيبات عجائب لأنهم لا يتقيدون بشئ فيطلقون كلامهم في ذلك ويأتون منه بالعجائب وربما ينكر الفقهاء أنهم على شئ من المقامات لما يرون من سقوط التكليف عنهم والولاية لا تحصل إلا بالعبادة وهو غلط فإن فضل الله يؤتيه من يشاء ولا يتوقف حصول الولاية على العبادة ولا غيرها وإذا كانت النفس الانسانية ثابتة الوجود فالله تعالى يخصها بما شاء من مواهبه وهؤلاء القوم لم تعدم نفوسهم الناطقة ولا فسدت كحال المجانين وإنما فقد لهم العقل الذي يناط به التكليف وهي صفة خاصة للنفس وهي علوم ضرورية للانسان يشتد بها نظره ويعرف أحوال معاشه واستقامة منزله وكأنه إذا ميز أحوال معاشه واستقامة منزله لم يبق له عذر في قبول التكاليف لاصلاح معاده وليس من فقد هذه الصفة بفاقد لنفسه ولا ذاهل عن حقيقته فيكون موجود الحقيقة معدوم العقل التكليفي الذي هو معرفة المعاش ولا استحالة في ذلك ولا يتوقف اصطفاء الله عباده للمعرفة على شئ من التكاليف وإذا صح ذلك فاعلم أنه ربما يلتبس حال هؤلاء بالمجانين الذين تفسد نفوسهم الناطقة ويلتحقون بالبهائم ولك في تمييزهم علامات منها أن هؤلاء البهاليل لا تجد لهم وجهة أصلا ومنها أنهم يخلقون على البله من أول نشأتهم والمجانين يعرض لهم الجنون بعد مدة من العمر لعوارض بدنية طبيعية فإذا عرض لهم ذلك وفسدت نفوسهم الناطقة ذهبوا بالخيبة ومنها كثرة تصرفهم في الناس بالخير والشر لأنهم لا يتوقفون على إذن لعدم التكليف في حقهم والمجانين لا تصرف لهم وهذا فصل انتهى بنا الكلام إليه والله المرشد للصواب وقد يزعم بعض الناس أن هنا مدارك للغيب من دون غيبة عن الحس فمنهم المنجمون القائلون بالدلالات النجومية ومقتضى أوضاعها في الفلك وآثارها في العناصر وما يحصل من الامتزاج بين طباعها بالتناظر ويتأدى من ذلك المزاج إلى الهواء وهؤلاء المنجمون ليسوا من الغيب في شئ إنما هي ظنون حدسية وتخمينات مبنية على التأثير النجومية وحصول المزاج منه للهواء مع مزيد حدس يقف به الناظر على تفصيله في الشخصيات في العالم كما قاله بطليموس ونحن نبين بطلان ذلك في محله
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»