الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ٢٧ - الصفحة ١٤٠
العذاب بغليظها وترقق قلب الحسود برقيقها ولو أطال المملوك وقال ووسع المقال واستنحى الألسنة واستنجدها في وصف ما كان عليه من سوء الحال لقصر وقصر كل لسان وأقام الخبر عنها مقام العيان والجملة الملخصة أن عينه كانت تجر من وجهه بحبل من مسد وتنخس بأسنة الأسل وتجذب بمخالب الأسد ومما جعل الأمر قط على عينه ولا عبر على جفنه ولا مر على طرفه ولا أنست مقلته قط بالوهج الناري ولا تبرحت في الثوب الجلناري ولا قذيت قط إلا بالنظر إلى ثقيل ولا جرت دمعتها إلا على فراق خليل ولا سخنت إلا يوم سفر لمولانا وساعة رحيل ولا رابه بصره قط بعد صحة ولا خانه في لمحة ولا كان يكذبه في الأشياء بعدت عنه أو قربت منه بل ينقلها إليه على ما هي عليه لكن ربما أراه النجوم نهارا والأهله أقمارا وأبدى له خطوط الأحزاز كأنها خطوط الغمر وجلا عليه السهى في قد الشمس لبا قد القمر ولقد كان واثقا الجديد ة نظره الحديد كثقته بالتوحيد يوم الوعيد * ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه * قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي * ومن توابع الرمد التي كانت والله تضيق أنفاسه وتصدع رأسه الخرقة السوداء التي كانت كأنها لعنة الله على الكافر وفرار الأطباء إلى غمس الرجلين في الماء الفاتر وكل منهما لا يغني نقيرا ولا فتيلا ولا ينفع كثيرا ولا قليلا ولكنها استراحة من طبه مستراح وسلاح من لا له سلاح وأما اللبن الذي يغسل به العين ووضره وزيبق البيض وزفره والقطنة التي توضع على الجفن لترفعه وهي والله تطمره فنعوذ بالله السميع العليم ولا تسأل عن أصحاب الجحيم وأما العواد فرأى المملوك منهم فنونا وعلق من ألفاظهم عيونا فمنهم من يحضر شامتا ومنهم من قد أنعم الله عليه لو كان صامتا ومنهم من يقول الله يكفيك ويحميك بضم الياء ومنهم من يقول الله يغنيك عن الإعادة والنادرة التي لو سمعها ابن المعتز لسلك سبيلها في البديع ولو رآها الصنوبري لوصفها إذ يظنها زهرة من زهر الربيع قول بعض السابقين في ميدان التخلف والواصلين للدرجة العليا من الكلفة والتكلف وقد رأى عين المملوك والمجلس حافل حاشد وجميع الحاضرين لما قاله ساع وبه شاهد فبهت وشك وأراد الكلام فتقيد لسانه ورام) الإقدام على النطق فجبن جنانه ثم تشجع فلم يفتح عليه إلا بأن قال يا مولاي هذه العين تزول فقال المملوك زاه زاه ما غلت والله رمدتي بهذه الواحدة ولقد كان يجب أن أسأل الرمد أن يشرفني بالحضور من هذا الرمد وإن تعجبه نورها وضياءها وكيف لا تظمأ وقد أقلعت عنها من بركة قربه أنواؤها وكيف لا تسخن وقد
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»