ثم قصدوا بلاد قفجاق، وهم من أكثر الترك عددا، فقتلوا من وقفن وهرب الباقون إلى الشعراء والغياض ورؤوس الجبال، وفارقوا بلادهم، واستولى التتر عليها.
ومضى طائفة أخرى غير هؤلاء إلى غزنة وأعمالها، وسجستان وكرمان، ففعلوا مثل هؤلاء بل أشد، هذا ما لم يطرق الأسماع مثله، فإن الإسكندر الذي ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة، وإنما ملكها في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدا، إنما رضي بالطاعة. وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأحسنه وأعمره في نحو سنة، ولم يبق أحد في البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يترقب وصولهم إليه. ثم إنهم لم يحتاجوا إلى ميرة، ومددهم يأتيهم، فإنهم معه الأغنام والبقر والخيل ويأكلون لحومها لا غير. وأما خيلهم فإنهم تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عروق النبات، ولا تعرف الشعير. وأما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرمون شيئا، ويأكلون جميع الدواب وبني آدم. ولا يعرفون نكاحا، بل المرأة يأتيها غير واحد، فإذا جاء الولد لا يعرف أبوه. وتهيا لهم أخذ الممالك، لأن خوارزم شاه محمدا كان استولى على البلاد، وقهر ملوكها وقتلهم، فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
وهم نوع من الترك، مساكنهم جبال طمغاج، بينها وبين بلاد الشرق أكثر من ستة أشهر، وكان ملكهم جنكزخان قد فارق بلاده، وسار إلى نواحي تركستان، وسير معه جماعة من الأتراك التجار، ومعهم شيء كثير من النقرة والقندز وغير ذلك، إلى بلاد ما وراء النهر ليشتروا له ثيابا وكسوة، فوصلوا إلى مدينة من بلاد الترك تسمى أوترار، وهي آخر ولاية خوارزم شاه،) وله بها نائب. فلما ورد عليه