تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٤ - الصفحة ٤١
خوارزم شاه ليسبق خبره ويكبس التتار، فقطع مسيرة أربعة أشهر، فوصل إلى بيوت التتار، فما وجد فيها إلى الحريم فاستباحها، وكان التتار قد ساروا إلى محاربة ملك من ملوك الترك يقال له كشلوخان فهزموه، وغنموا أمواله، وعادوا فجاءهم الصريخ بما جرى، فجدوا في السير فأدركوا خوارزم شاه، وعملوا معه مصافا لم يسمع بمثله، واقتتلوا أشد قتال، وبقوا في الحرب ثلاثة أيام ولياليها، وقتل من الطائفتين خلق لا يحصون، وثبت المسلمون وأبلوا بلاء حسنا، وعلموا أنهم إن انهزموا لم يبق للمسلمين باقية، وأنه يؤخذون لبعدهم عن) الديار. وأما الكفار التتار فصبروا لاستنقاذ أموالهم وحريمهم، واشتد بهم الأمر حتى كان أحدهم ينزل عن فرسه وقرنه راجل، فيقتتلان بالسكاكين. وجرى الدم حتى زلقت الخيل فيه من كثرته، واستفرغ الفريقان وسعهم في الصبر. وهذا القتال كله مع ابن جنكزخان، فإن أباه لم يحضر الوقعة، ولم يشعر بها، وقتل من المسلمين عشرون ألفا، ومن الكفار ما لا يحصى.
فلما كانت الليلة الرابعة نزل بعضهم مقابل بعضهم، فلما كان الليل أوقد التتار نيرانهم، وتركوها بحالها وساروا، وكذلك فعل المسلمون أيضا، كل منهم قد سئم القتال. ورجع المسلمون إلى بخارى، فاستعدوا للحصار لعلم خوارزم شاه بعجزه، لأن طائفة من التتار لم يقدر أن يظفر بهم، فكيف إذا جاءوا بأجمعهم مع ملكهم جنكزخان فأمر أهل بخارى وسمرقند يستعدون للحاصر، وجعل ببخارى عشرين ألف فارس، وفي سمر قند خمسين ألف فارس، وقال: احفظوا البلاد حتى أعود إلى خوارزم وأجمع العساكر وأعود. ثم عبر النهر ونزل على بلخ، فعسكر هناك.
وأما التتار فإنهم أقبلوا، فنازلوا بخارى وحاصروها ثلاثة أيام وزحفوا، فقرب من بها من العساكر، وطلبوا خراسان في الليل، فأصبح البلد خاليا من العسكر،
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»