* إذا تذكرت زمانا مضى * فويح أجفاني من أدمعي.
* وقد نالته محنة في أواخر عمره، وذلك أنهم وشوا إلى الخليفة الناصر به بأمر اختلف في) حقيقته، وذلك في الصيف، فبينا هو جالس في داره في السرداب يكتب، جاءه من أسمعه غليظ الكلام وشتمه، وختم على كتبه وداره، وشتت عياله. فلما كان في أول الليل حملوه في سفينة، وأحدروه إلى واسط، فأقام خمسة أيام ما أكل طعاما، وهو يومئذ ابن ثمانين سنة، فلما وصل إلى واسط أنزل في دار وحبس بها، وحصل عليها بواب، فكان يخدم نفسه ويغسل ثوبه ويطبخ، ويستقي الماء من البئر، فبقي كذلك خمس سنين، ولم يدخل فيها حماما.
وكان من جملة أسباب القضية أن الوزير ابن يونس قبض عليه، فتتبع ابن القصاب أصحاب ابن يونس.
وكان الركن عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي المتهم بسوء العقيدة واصلا عند ابن القصاب، فقال له: أين أنت عن ابن الجوزي، فهو من أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه مدرسة جدي وأحرقت كتبي بمشورته، وهو ناصبي من أولاد أبي بكر.
وكان ابن القصاب شيعيا خبيثا، فكتب إلى الخليفة، وساعده جماعة، ولبسوا على الخليفة، فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السلام، فجاء إلى باب الأزج إلى دار ابن الجوزي، ودخل وأسمعه غليظ المقال كما ذكرنا.
وأنزل في سفينة، ونزل معه الركن لا غير، على ابن الجوزي غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، فأحدر إلى واسط، وكان ناظرها العميد أحمد الشيعة، فقال له الركن: حرسك الله، مكني من عدوي لأرميه في المطمورة. فعز على العميد وزبره وقال: يا زنديق أرميه بقولك هات خط الخليفة. والله لو كان من أهل مذهبي لبذلت روحي ومالي في خدمته.
فعاد الركن إلى بغداد. وكان بين ابن يونس الوزير وبين أولاد الشيخ