تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٤ - الصفحة ٣٣٤
ثم عزم ابن عباد عى أمير المسلمين يوسف، ورام أن ينزل في ضيافته. فأجابه فأنزله الله في قصوره على نهر إشبيلية. فرأى أماكن نزهة، كثيرة الخير والحسن والرزق.
وبالغ المعتمد بن عباد وأولاده في خدمة أمير المسلمين، وكان رجلا بربريا. قليل التنعم والتلذذ والرفاهية، فرأى ما هاله من الحشمة والعرش والأطعمة الفاخرة، فأقبل خواصه عليه ينبهونه على تلك الهيئة ويحسنونها، ويقولون: ينبغي أن تتخذ ببلادك نحو هذا. فأنكر عليهم، وكان قد دخل في الشيخوخة وفنيت إرادته، وأدمن على عيش بلاده. ثم أخذ يعيب طريقة المعتمد وتنعمه المفرط، وقال: من يتعانى هذه اللذات لا يمكن أن يعدل كما ينبغي أبادا. ومن كان هذا همته في حفظ بلاده ورعيته. ثم سال يوسف: هل يفعل المعتمد هذا التنعم في كل أوقاته فقيل له: بل كل زمانه على هذا. فسكت، وأقام عنده أياما، فأتى المعتمد رجل عاقل ناصح، فخوفه من غائلة ابن تاشفين، وأشار عليه بأن يقبض عليه، وأن لا يطلقه حتى يأمر كل من بالأندلس) من عسكره أن يرجع من حيث جاء: ثم تتفق أنت وملوك الأندلس على حراسة البحر من سفينة تجري له، ثم تتوثق منه الأيمان أن لا يغدر، ثم تطلقه، وتأخذ منه على ذلك رهائن.
فأصغى المعتمد إلى مقالته واستوصبها، وبقي يفكر في انتهاز الفرصة، وكان له ندماء قد انهمكوا معه في اللذات، فقال أحدهم لهذا الرجل: ما كان أمير المؤمنين، وهو إمام أهل المكرهات ممن يعامل بالحيف ويغدر بالضيف. قال: إنما الغدر أخذ الحق ممن هو له، لا دفع المرء عن نفسه. قال النديم: بل كظم مع وفاء، خير من حزم مع جفاء. ثم إن ذلك الناصح استدرك الأمر وتلافاه، وشكر له المعتمد، وأجازه، فبلغ الخبر ابن تاشفين، فأصبح غاديا. فقدم له المعتمد هدايا عظيمة، فقبلها وعبر إلى سبتة. وبقي جل عسكره بالجزيرة يستريحون.
(٣٣٤)
مفاتيح البحث: السفينة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»