أن عبد المؤمن كان في حياته قد عهد إلى أكبر أولاده وهو محمد وبايعه الناس وكتب ببيعته إلى البلاد فلما مات عبد المؤمن لم يتم له الأمر لأنه كان على أمور لا يصلح معها للمملكة من إدمان شرب الخمر واختلال الرأي وكثرة الطيش وجبن النفس ويقال إنه مع هذا كله كان به ضرب من الجذام واضطرب أمره واختلف الناس عليه فخلع وكانت مدة ولايته خمسة وأربعين يوما وذلك في شعبان من سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وكان الذي سعى في خلعه أخويه يوسف وعمر ابني عبد المؤمن ولما تم خلعه دار الأمر بين الأخوين المذكورين وهما من نجباء أولاد عبد المؤمن ومن ذوي الرأي وتأخر عنهما أبو حفص عمر وسلم الأمر إلى أخيه يوسف فبايعه الناس واتفقت عليه الكلمة وكان أبيض تعلوه حمرة شديد سواد الشعر مستدير الوجه أفوه أعين إلى الطول ما هو في صوته جهارة رقيق حواشي اللسان حلو الألفاظ حسن الحديث طيب المجالسة أعرف الناس كيف تكلمت العرب وأحفظهم لأيامها في الجاهلية والإسلام صرف عنايته إلى ذلك ولقي فضلاء إشبيلية أيام ولايته لها ويقال إنه كان يحفظ صحيح البخاري وكان شديد الملوكية بعيد الهمة سخيا جوادا استغنى الناس في أيامه وكان يحفظ القرآن العظيم مع جملة من الفقه ثم طمح إلى علم الحكمة وبدأ من ذلك بعلم الطب وجمع من كتب لحكمة شيئا كثيرا (388) وكان ممن صحبه من العلماء بهذا الشأن أبو بكر محمد بن الطفيل كان متحققا لجميع أجزاء الحكمة قرأ على جماعة من أهلها منهم أبو بكر ابن الصائغ المعروف بابن باجة وغيره ولابن الطفيل هذا تصانيف كثيرة وكان
(١٣٤)