وحكى المسعودي في كتاب مروج الذهب عن جماعة من أهل البصرة قالوا خرجنا نريد الحج فلما كنا ببعض الطريق إذا غلام واقف على المحجة وهو ينادي أيها الناس هل فيكم أحد من أهل البصرة قال فعدلنا إليه وقلنا له ما تريد قال إن مولاي لما به يريد أن يوصيكم فملنا معه فإذا بشخص ملقى على بعد من الطريق تحت شجرة لا يحير جوابا فجلسنا حوله فأحس بنا فرفع طرفه وهو لا يكاد يرفعه ضعفا وأنشأ يقول (يا غريب الدار عن وطنه * مفردا يبكي على شجنه) (كلما جد البكاء به * دبت الأسقام في بدنه) ثم أغمي عليه طويلا ونحن جلوس حوله إذ أقبل طائر فوقع على أعلى الشجرة وجعل يغرد ففتح عينيه وجعل يسمع تغريد الطائر ثم أنشأ الفتى يقول (ولقد زاد الفؤاد شجى * طائر يبكي على فننه) (شفه ما شفني فبكى * كلنا يبكي على سكنه) قال ثم تنفس تنفسا فاضت نفسه منه فلم نبرح من عنده حتى غسلناه وكفناه وتولينا الصلاة عليه فلما فرغنا من دفنه سألنا الغلام عنه فقال هذا العباس بن الأحنف رحمه الله تعالى والله أعلم أي ذلك كان والحنفي بفتح الحاء المهملة والنون وبعدها فاء هذه النسبة إلى بني حنيفة ابن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة مشهورة واسم حنيفة أثال بضم الهمزة وبعدها ثاء مثلثة وبعد الألف لام وإنما قيل له حنيفة لأنه جرى بينه وبين الأحزن بن عوف العبدي مفاوضة في قصة يطول شرحها فضرب حنيفة الأحزن المذكور بالسيف فجذمه فسمي جذيمة وضرب
(٢٦)