وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٢ - الصفحة ٤٣
فخرجت علي هذه الجملة وروي عن محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني قال دفع إلي الحجاج ازارمرد ابن الهربذ وأمرني أن أستخرج منه وأغلظ عليه فلما انطلقت به قال لي يا محمد إن لك شرفا ودينا وإني لا أعطي على القسر شيئا وارفق بي قال ففعلت فأدى إلي في أسبوع خمسمائة ألف قال فبلغ ذلك الحجاج فأغضبه فانتزعه من يدي ودفعه إلى رجل كان يتولى له العذاب فدق يديه ورجليه فلم يعطهم شيئا قال محمد بن المنتشر فإني لأمر يوما في السوق فإذا به معروضا على حمار مدقوق اليدين والرجلين فخفت الحجاج إن أتيته وتذممت فملت إليه فقال لي إنك وليت مني ما ولي هؤلاء فأحبست وإنهم صنعوا بي ما ترى ولم أعطهم شيئا وهاهنا خمسمائة ألف درهم عند فلان فخذها فهي لك قال فقلت ما كنت لآخذ منك على معروفي أجرا ولا لأرزأك على هذه الحال شيئا قال فأما إذا أتيت فاستمع أحدثك حدثني بعض أهل دينك عن نبيك صلى الله عليه وسلم قال إذا رضي الله عن قوم أمطرهم المطر في حينه وجعل المال عند سمحائهم واستعمل عليهم خيارهم وإذا سخط عليهم استعمل عليهم شرارهم وجعل المال عند بخلائهم وأمطرهم المطر في غير حينه قال فانصرفت فما وضعت ثوبي حتى أتاني رسول الحجاج فأمرني بالمصير إليه فألفيته جالسا على فرشه والسيف منتضى بين يديه فقال ادن فدنوت شيئا ثم قال ادن فدنوت شيئا ثم صاح الثالثة ادن لا ابا لك فقلت والله ما بي إلى الدنو من حاجة وفي يد الأمير ما أرى فأضحك الله سنه وأغمد عني سيفه فقال لي اجلس ما كان من حديث الأمس فقلت والله أيها الأمير ما غششتك منذ استنصحتني ولا كذبتك منذ استخبرتني ولا خنتك منذ ائتمنتني ثم حدثته الحديث فلما صرت إلى ذكر الرجل الذي عنده المال أعرض عني بوجهه وأومأ إلي بيده ثم قال لا تتمه ثم قال إن للخبيث نفسا وقد سمع الأحاديث ويقال كان الحجاج إذا استغرب ضاحكا والى بين الاستغفار وإذا صعد المنبر تلفع بمطرفه ثم تكلم رويدا فلا يكاد يسمع ثم يتزيد في الكلام حتى يخرج
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»