من خراسان هدية جليلة فيها جوار فيهن جارية يقال لها محبوبة قد نشأت بالطائف وبرعت في الأدب وأجادت قول الشعر وحذقت الغناء وقربت من قلب المتوكل وغلبت عليه فكانت لا تفارق مجلسه فوجد عليها مرة فهجرها أياما وبكرت عليه فقال يا علي قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال رأيت الليلة في منامي كأني رضيت عن محبوبة وصالحتها وصالحتني قلت خيرا يا أمير المؤمنين أقر الله عينك وسرك إنما هي عبدتك والرضى والسخط بيدك فوالله أنا لفي ذلك إذ جاءت وصيفة فقالت يا أمير المؤمنين سمعت صوت عود من حجرة محبوبة فقال قم بنا يا علي ننظر ما تصنع فنهضنا حتى أتينا حجرتها فإذا هي تضرب العود وتغني (أدور في القصر لا أرى أحدا * أشكو إليه ولاا يكلمني) (كأنني قد أتيت معصية * ليس لها توبة تخلصني) (فهل شفيع لنا إلى ملك * قد زارني في الكرى وصالحني) (حتى إذا ما الصباح لاح لنا * عاد إلى هجره فصارمني) قال فصاح أمير المؤمنين وصحت معه فسمعت فتلقته وأكبت على قدميه تقبلهما فقال ما هذا قالت يا مولاي رأيت في ليلتي كأنك رضيت عني فتعللت بما سمعت قال وأنا والله رأيت مثل ذلك فقال لي يا علي رأيت أعجب من هذا كيف اتفق ورجعنا إلى الموضع الذي كنا فيه ودعا بالجلساء والمغنين واصطبح وما زالت تغنيه الأبيات يومه ذلك قال وزادت حظوة عنده حتى كان من أمره ما كان فتفرق جواريه وصارت محبوبة إلى وصيف الكبير فما زالت حزينة باكية فدعاها يوما وأمرها أن تغني فاستعفته وجئ بعود فوضع في حجرها فغنت (أي عيش يلذ لي * لا أرى فيه جعفرا) (كل من كان في ضني * وسقام فقد برا) (غير محبوبة التي * لو ترى الموت يشتري) (لاشترته بما حوته * يداها لتقبرا) ولبست السواد والصوف وما زالت تبكيه وترثيه حتى ماتت رحمها الله تعالى
(٣٥٦)