والتحذير لي ثم أحضرني المتوكل وأمر شفيعا أن يولع بي فتغاضب المتوكل علي فقلت يا أمير المؤمنين إن كنت تضربني كما ضربني آبؤك فاعلم أن آخر ضرب ضربته كان بسببك فضحك وقال بل أصونك وأكرمك وقال المتوكل يوما لمن حضره ما أرى أحسن من وصيف الصغير يعني خادمه فجعل كل يصفه غير بغا الكبير فقال يا بغا ما سكوتك اما تحب وصيفا قال لا قال ولم قال لأني أحب من يحبك ولا أحب من يحبه ودخل أبو العيناء على المتوكل فقال له بلغني عنك بذاء قال إن يكن البذاء صفة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته فقد مدح الله وذم قال * (نعم العبد إنه أواب) * وقال عز وجل * (هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) * فذمه حتى قذفه وأما أن أكون كالعقرب التي تلسع النبي والذمي بطبع لا يميز فقد أعاذ الله عبدك من ذلك وقد قال الشاعر (إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقا * ولم أشتم الجبس اللئيم المذمما) (ففيم عرفت الشر والخير باسمه * وشق لي الله المسامع والفما) ولما أسلم نجاح بن سلمة إلى موسى بن عبد الملك الأصبهاني ليؤدي ما عليه من الأموال عاقبة فتلف في مطالبته فحضر يوما عند المتوكل فقال له ما عندك من خبر نجاح بن سلمة قال ما قال الله * (فوكزه موسى فقضى عليه) * فاتصل ذلك بموسى فلقي الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال أيها الوزير أردت قتلي فلم تجد لذلك سبيلا إلا بإدخال أبي العيناء إلى أمير المؤمنين وعداوته لي فعاتب عبيد الله أبا العيناء في ذلك فقال والله ما استعذبت الوقيعة فيه حتى ذممت سيرته لك فأمسك عنه ثم دخل بعد ذلك أبو العيناء على المتوكل فقال كيف كنت بعدي فقال في أحوال مختلفة خيرها رؤيتك وشرها غيبتك فقال قد والله اشتقتك قال إنما يشتاق العبد لأنه يتعذر عليه لقاء مولاه وأما السيد فمتى أراد عبده دعاه فقال له المتوكل من أسخى من رأيت قال
(٣٥٤)