وكان ذلك الملك آخر من دخلها منهم. فلما دنا من النار أخذته فولى هاربا فأتى به سرباق فسأله عن أمره وتوعده فأقر فأمر بقتله، وحمله إلى الحصن الذي أخذ به فصلب هناك من جهة الشأم على أسطوانة عظيمة من حجر وزبر عليها هذا فلان بن فلان المتغلب على الشأم أضمر غائلة للملك وطلب ما لم يصل إليه تعديا منه عليه وظلما له فعوقب بهذا.
وأمر باطلاق الباقين. وقيل لهم قد وجب عليكم القتل، لصحبتكم لمن أراد الفساد في الأرض. ولكن الملك بفضله عفا عنكم وأمر أن تخرجوا من بلاده، ولا تعدوا إليها ابدا فخرجوا هاربين. مسرورين بالسلامة فكانوا لا يمرون بأحد إلا حدثوه بما رأوا من العجائب. فانقطعت أطماع الملوك في الوصول إلى مصر والتعرض لها. وعملت في وقت سرباق عجائب كثيرة.
منها أنه عمل عرباق في مدينته بطة من نحاس قائمة على أسطوانة، فإذا دخل الغريب من ناحية من النواحي أو باب من الأبواب صفقت بجناحيها، وصرخت فيؤخذ [الداخل] ويكشف عن أمره ومقصده، وشق إلى مدائن الغرب نهرا من النيل، وبنى على عبريه منازل وأعلاما، وغرس فيها غروسا يتنزه عليها، وملكهم مائة سنة وثلاثين سنة.
وملكهم بعده ابنه سهلون بن سرياق، وكان سهلون عالما منجما كاهنا، فأفاض العدل وقسم ماء النيل قسما موزونا، صرف إلى كل ناحية قسطا، ورتب الدولة وجعلها على سبع طبقات.
(الطبقة الأولى) الملك وولده وأهل بيته ومن يلي عدله، ورأس الكهان، والوزير الأكبر، وصاحب خاتم الملك، وصاحب خزائنه.
(والطبقة الثانية) مراتب العمال والمتولين لجباية الأموال، والاشراف على النفقات في أمر المملكة، ومصالح البلاد والعمارات، وقسمة المياه.