دره، والله ما هيجناه قط إلا وجدناه معدا (1). فلما رجع ابن عباس إلى رحله، جلس بفنائه، وجاءه الناس يعزونه، وجاءته خيل، كلما جاءه إنسان نزل ووقف حتى جاءه يزيد بن معاوية، فأوسع له ابن عباس، فأبى أن يجلس إلا بين يديه مجلس المعزي، فذكر الحسن عليه السلام في فضله وسابقته وقرابته، فأحسن ذكره، وترحم عليه، ثم قام فركب، فأتبعه ابن عباس بصره فلما ولى قال: إذا ذهب بنو حرب ذهب حلماء قريش (2).
ثم إن ابن عباس دخل بعد ذلك بأيام على معاوية [13 ب]، فقال له معاوية: يا أبا العباس! هل ترى ما حدث في أهلك؟ قال: لا، قال: فإن أسامة بن زيد هلك، ثم خرج. فلما كانت الجمعة، قال ابن عباس: يا غلام اعطني ثيابي، حتى متى أصبر لهذا المنافق ينعى إلي أهل بيتي رجلا رجلا، فلبس ثيابه ثم اعتم وتطيب بطيب كان يعرف به إذا ما وجد ريحه، فلما دخل المسجد قال أهل الشام: ما يشبه هذا إلا الملائكة، من هذا؟ فلما صلى أسند إلى أسطوانة، فلم تبق في المسجد حلقة إلا تقوضت إليه، فلم يسأل عن حلال ولا حرام ولا فقه ولا تفسير قرآن ولا حديث جاهلية ولا إسلام إلا أنبأهم به. فافتقد معاوية يومئذ من كان يدخل عليه، وقال لحاجبه:
أين الناس؟ قال: عند ابن عباس، فأخبره بخبره واجتماع الناس إليه، وانه لو شاء أن يضربه بمائة ألف سيف فعل قبل الليل. فقال: نحن أظلم منه، حبسناه عن أهله، ومنعناه حاجته، ونعينا إليه أحبته، انطلق يا غلام فادعه. فلما