وثلاثين ومئة، فانتهى إلى العسكر، وقد وقف له الناس، واستقبله القواد، فلم يبق أحد مهم إلا نزل إليه وقبل يده، فاستقرأ صفوفهم يسلم على عوامهم، ويدعو بالبركة لهم، ثم نزل، وقد هيئت له حجرة فنزلها، وانقاد القوم له وسمعوا منه وأطاعوا أمره وسكنوا إليه، وبات ليلته، وقد أطافت الخراسانية بحجرته وعظمت أمره.
خطبة أبي سلمة فلما أصبح جمع القواد ووجوه الجند (1) فحمد الله وأثنى عليه وقال:
إن الله قد أكرمكم بهذه الدعوة المباركة التي لم تزل القلوب تتشوق إليها فخصكم الله بها، وجعلكم أهلها، ألا وإنه ليس لأحد (2) فيها شرف إلا بعدكم، ولا منزلة في حباء ولا في مجلس ولا مدخل ولا مخرج عند أئمتكم إلا دونكم، ألا وإنها دولتكم فاقبلوها وأيقنوا بنصر الله إياكم كعادته فيما أبلاكم حتى بلغكم ما أنتم فيه، فاعتبروا ما بقي بما مضى [185 أ] وتحفظوا من خدع السفهاء وتزيين شياطينهم لكم اتباع أهوائهم، فإنهم سيقرعون لكم بالحسد على هذه النعمة، فاتهموهم ولا تقاربوهم ولا تطمعوهم في أنفسكم فيردوكم على أعقابكم، وابشروا بالخير الكثير في عاجلكم إلى ما قد ذخره (3) الله لكم في آجلكم.
فكان هذا ما حفظ من كلامه. فتكلم القوم في جواب ذلك، وذكروا