رجع إلى منزله، وبعث إليه بمائة ألف درهم، ونادى منادي معاوية: أن برئت الذمة ممن روى حديثا من مناقب علي وفضل أهل بيته.
دخل ابن عباس على معاوية وعنده جماعة من قريش فيهم عبد الله بن عمر، فلما جلس، قال له معاوية: إنك يا ابن عباس لترمقني شزرا، كأني خالفت الحق أو أتيت منكرا. قال ابن عباس: لا منكر أعظم من ذبحك الاسلام بشفرة الشرك، واغتصابك ما ليس لك بحق اعتداء وظلما.
فقال معاوية: إنما ذبح الاسلام من قتل إمام الأمة، ونقض العهد، وخفر الذمة، وقطع الرحم، ولم يرع الحرمة، وترك الناس حيارى في الظلمة.
قال ابن عباس: كان الامام من سبق الناس إلى الاسلام طرا، وضرب خيشوم الشرك بسيف الله جهرا، حتى انقاد له جماهير الشرك قهرا، وأدخلك وأباك فيه قسرا، فكان ذلك الامام حقا، لا من خالف الحق حمقا، ومزق الدين فصار محقا. فقال معاوية: رفقا يا ابن عباس رفقا، فقد أتيت جهلا وخرقا، فوالله ما قلت حقا، ولا تحريت في مقالك صدقا، فمهلا مهلا، لقد كان من [15 ب] ذكرته إماما عادلا، وراعيا فاضلا، يسلك سبيلا ملئ حلما وفهما، فوثبتم عليه حسدا، وقتلتموه عدوانا وظلما. قال ابن عباس:
إنه اكتسب بجهده الآثام، وكايد بشكه الاسلام، وخالف السنة والاحكام، وجار على الأنام، وسلط عليهم أولاد الطغام، فأخذه الله أخذ عزيز ذي انتقام. قال معاوية: يا ابن عباس يحملك شدة الغضب على سوء الأدب حتى لتخل في الجواب، وتحيد عن الصواب، تقعد في مجلسنا، تشتم فيه أسلافنا، وتعيب فيه كبراءنا، وخيار أهلنا، ما ذنب معاوية إن كان علي خانه زمانه، وخذله أعوانه، وأخذوا سلطانه، وقعدوا مكانه، أما معاوية فأعطي الدنيا فأمكنكم من خيرها، وباعدكم من شرها، وكان لكم صفوها وحلوها، ولي كدرها ومرها. قال ابن عباس: ذنب معاوية ركوبه الآثام، واستحلاله