وآخرته. وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه، لما يرجوه من فوز العاقبة وثواب الآخرة.
وقد ذكر هو عليه السلام في كلامه وخطبه بدء حاله وافتتاح أمره حيث أسلم لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الشجرة فأقبلت تخد الأرض، فقالت قريش:
ساحر خفيف السحر! فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، أنا أول من يؤمن بك، آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به، وأنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك، وبرهانا على صحة دعوتك. فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الايمان وأوثق عقدة وأحكم مرة؟! ولكن حنق العثمانية وغيظهم وعصبية الجاحظ وانحرافه، مما لا حيلة فيه.
ثم لينظر المنصف وليدع الهوى جانبا ليعلم نعمة الله علي عليه السلام بالاسلام، حيث أسلم على الوضع الذي أسلم عليه، فإنه لولا الألطاف التي خص بها، والهداية التي منحها له، لما كان إلا كبعض أقارب محمد صلى الله عليه وأهله. فقد كان ممازجا له كممازجته، ومخالطا له كمخالطة كثير من أهله ورهطه، ولم يستجب منهم أحد له إلا بعد حين، ومنهم من لم يستجب له أصلا، فإن جعفرا عليه السلام كان ملتصقا به ولم يسلم حينئذ. وكان عتبة بن أبي لهب ابن عمه وصهره زوج ابنته ولم يصدقه، بل كان شديدا عليه، وكان لخديجة بنون من غيره ولم يسلموا حينئذ وهم ربائبه ومعه في دار واحدة، وكان أبو طالب أباه في الحقيقة، وكافله وناصره، والمحامى عنه، ومن لولاه لم تقم له قائمة. ومع ذلك لم يسلم في أغلب الروايات. وكان العباس عمه وصنو أبيه، وكالقرين له في الولادة والمنشأ والتربية، ولم يستجب له إلا بعد حين طويل. وكان أبو لهب عمه وكدمه ولحمه، ولم يسلم، وكان شديدا عليه، فكيف ينسب إسلام علي عليه السلام إلى الألف والتربية والقرابة واللحمة، والتلقين والحضانة والدار الجامعة وطول العشرة، والانس والخلوة. وقد كان كل ذلك حاصلا لهؤلاء أو لكثير منهم، ولم يهتد أحد منهم إذ ذاك، بل كانوا بين من جحد وكفر ومات على كفره، ومن أبطأ وتأخر وسبق بالاسلام وجاء سكيتا وقد فاز بالمنزلة غيره.