فلو وجد هؤلاء سبيلا إلى دحض حجة فيما كان يفخر به من تقدم إسلامه لبدأوا بذلك وتركوا مالا معنى له.
وقد أوردنا ما مدحه الشعراء به من سبقه إلى الاسلام فكيف لم يرد على هؤلاء الذين مدحوه بالسبق شاعر واحد من أهل حربه. ولقد قال في أمهات الأولاد قولا خال فيه عمر فذكروه بذلك وعابوه، فكيف تركوا أن يعيبوه بما كان يفتخر به مما لا فخر فيه عندهم وعابوه بقوله في أمهات الأولاد.
ثم يقال له (1) خبرنا عن عبد الله بن عمر، وقد أجازه النبي صلى الله عليه وآله يوم الخندق ولم يجزه يوم أحد: هل [كان] يميز ما ذكرته. وهل كان يعلم فرق ما بين النبي المتنبي ويفصل بين السحر والمعجزة إلى غيره مما عددت وفصلت. فإن قال نعم وتجاسر على ذلك قيل له: فعلي عليه السلام بذلك أولى من ابن عمر، لأنه أذكى وأفطن بلا خلاف بين العقلاء، وأنى يشك في ذلك وقد رويتم أنه لم يميز بين الميزان والعود بعد طول السن وكثرة التجارب، ولم يميز أيضا بين إمام الرشد وإمام الغى، فإنه امتنع من بيعة علي عليه السلام، وطرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام، زعم. لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية " وحتى بلغ من احتقار الحجاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال: أصفق بيدك عليها. فذلك تمييزه بين الميزان والعود، وهذا اختياره في الأئمة، وحال علي عليه السلام في ذكائه وفطنته وتوقد حسه وصدق حدسه معلومة مشهورة. فإذا جاز أن يصح إسلام ابن عمر ويقال عنه إنه عرف تلك الأمور التي سردها الجاحظ ونسقها، وأظهر فصاحته وتشادقه فيها. فعلى بمعرفة ذلك أحق، وبصحة إسلامه أولى.
وإن قال: لم يكن ابن عمر يعلم ويعرف ذلك، أبطل إسلامه وطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث حكم بصحة إسلامه وأجازه يوم الخندق، لأنه عليه السلام كان قال: لا أجير إلا البالغ العاقل، ولذلك لم يجزه يوم أحد. ثم يقال: إن ما نقوله