الكثرة. والذل على العزة، من غير علم ولا معرفة بالعاقبة. وكيف ينكر الجاحظ والعثمانية أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الاسلام وكلفه التصديق. وروى في الخبر الصحيح أنه كلفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الاسلام وانتشارها بمكة أن يصنع له طعاما، وأن يدعو له بنى عبد المطلب، فصنع له الطعام ودعاهم له، فخرجوا ذلك اليوم، ولم ينذرهم صلى الله عليه وآله لكلمة قالها عمه أبو لهب، فكلفه اليوم الثاني أن يصنع مثل ذلك الطعام وأن يدعوهم ثانية، فصنعه ودعاهم فأكلوا، ثم كلمهم صلى الله عليه وآله فدعاهم إلى الدين ودعاه معهم لأنه من بنى عبد المطلب، ثم ضمن لمن بوارزه منهم وينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين ووصيه بعد موته، وخليفته من بعده، فأمسكوا كلهم وأجابه هو وحده وقال: أنا أنصرك على ما جئت به، وأؤازرك وأبايعك! فقال لهم لما رأى منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الاباء ومنه الإجابة: هذا أخي ووصي وخليفتي من بعدي!
فقاموا يسخرون ويضحكون ويقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمره عليك! فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز، وغر غير عاقل؟! وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع؟! وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول إلا عاقل لبيب؟! وهل يضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالاخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك، بالغ حد التكليف، محتمل لولاية الله، وعداوة أعدائه؟!
وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ولم يلصق بأشكاله، ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه، وهو كأحدهم في طبقته كبعضهم في معرفته. وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته فيقال: دعاه نقص الصبا وخاطر من خواطر الدنيا، وحملته الغرة والحداثة على حضور لهوهم والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلا ماضيا على إسلامه، مصمما في أمره، محققا لقوله بفعله، وقد صدق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه وآله من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه