فسمي ذلك الدير بدير حافر وانه في بعض الأيام خرج من ديره إلى مزرعة له هناك وإذا برجل من البدو قد عبر وهو راكب على ناقة وكان الحر قد اشتد فأوى إلى ظل حائط الدير وأناخ ناقته وعقلها ونام والراهب ينظر اليه فلما غرق في نومه أتت حية من مزرعة الراهب وفي فمها باقة نرجس فجعلت تروح عليه حتى استفاق وذلك الراهب ينظر اليه فلما أفاق أتى اليه وسلم عليه وقال له من أي الناس أنت قال من العرب قال الراهب قد علمت ذلك وانما أسألك عن دينك قال ديني الاسلام الذي كان عليه أنبياء الله كلهم عليهم أفضل الصلاة والسلام فقال لعلك على دين هذا الرجل الذي في أرض الحجاز قال نعم قال ابن إسحاق وكان البدوي ورقة بن الصامت الهذلي ابن أخت رواحة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حضر غزوة تبوك وحضر يوم السلاسل وكان أديبا ليبيا شاعرا لا يتكلم الا بسجع وكان أبو عبيدة قد وجهه لما كانوا في حصار قلعة حلب إلى صاحب الرقة يدعوه إلى الاسلام فقال الراهب وكان اسمه شوجوان بن كربان قد بلغني أنكم تقولون ما خلق الله خلقا أعظم ولا أكرم ولا أرحم من محمد وتركتم آدم ونوحا وإبراهيم واسحق ويعقوب والأسباط وموسى وداود وسليمان وعيسى فأريد أن تبين لي حقيقة ذلك فقال ورقة بن الصامت اسمع ما أقول ولا تتبع الفضول أما علمت أن عالم الملائكة اجتمعوا بالبيت المعمور ووقع بينهم الجدل في تصاريف الأمور وافتخر الكروبيون على الروحانيين والمسبحون على المقربين فزاحمهم إبليس بدقة عبادته ومشيد مباني زهادته فقال أنا المخلوق من ضرام النار البارع في خدمة العزيز الجبار اين أنتم من وقوفي على أقدام الاهتمام مائة ألف عام وتعبدي في السماوات وأكنافها وبروجها واعرافها وأوساطها وأطرافها وجبال الأرض وأكنافها فعارضه جبريل بالامتحان والابتداء وصرفه عن حجة الافتخار والادعاء وقال له ما أنت في الافتخار الا في الحضيض المحضوض ان لله نبيا في عالم الملكوت محجوبا قد طال اشتياقنا اليه ووردنا الخبر فيما يريد وجعل نهاية عبادتنا الصلاة عليه فأيقن من المفاخر بالنزول ومن اطلاق شمس ادعاء بالأفول وقال رب فهل إلى لقائه من سبيل والى الوصول اليه من دليل فقال جبريل اقطع مسافة الأمنية وخض بحر الاعتراف بعز الربوبية وثق بحبال العز المكين فإنك لخدمة من كون من نور التكوين عليه منقوش بقلم التمكين انك لمن المرسلين فخلع إبليس لباس العمل واستعمل أجنحة الامل وألقى قلادة الادعاء ونكس تاج الكبرياء واستعد لقوادم الطلب وداخله من قول جبريل غاية العجب وجعل همة عزمه
(١٠٠)