فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ١٠
في ركب عظيم إذ سمعت في الروم ضجة هائلة وإذا بهم يقاتلون أناسا من ورائهم وهم في وسط عسكرهم والزعقات منهم قد علت وسمعت قائلا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فقلت هذه أصوات الملائكة فاتبعت الصوت فإذا هو صوت دامس أبي الهول وهو بارك تحت حجفته ومعه العشرة المأسورين وهم يقاتلون معه ويحمون بعضهم إلى أن خلصوا من بيتهم وسمعته يقول هذه الأبيات * يوثقني الأعداء في الحديد * وناصري وسيدي المبيد * مهلك عاد وبني ثمود * أغاثني بعونه الشديد * محمد الطاهر الرشيد * فحل عني القيد والحديد * ذاك رسول الملك المجيد * صلى عليه الناصر الحميد * قال فحملت المسلمون وكشفوا عنهم فخرجوا وكأنهم قد غرقوا في بحر دم ووالله ما قتل من المسلمين أكثر من خمسين رجلا بواحد أو باثنين وقتل من المشركين نيف عن ثلاثة آلاف غير ما قتله أبو الهول وأصحابه في وسط عسكر الكفر فلما نظر ميسرة إلى دامس أراد أن يترحل اليه فأقسم عليه أن لا يفعل وافترق الجيشان فضم ميسرة دامسا إلى صدره وقبله بين عينيه وقال له كيف كان أمركم قال اعلم أيها الأمير أن الروم كانوا قد تكاثروا على فرسي فقتلوه ووقعت فأخذوني أسيرا وجعلوني في الحديد وفعلوا بأصحابي مثلي وقد ايسنا من أنفسنا فلما جن الليل رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لا بأس عليك يا دامس اعلم أن منزلتي عند الله عظيمة ثم إنه أمر يده الكريمة على الحديد فسقط مني وفعل ذلك مع أصحابي وقال لنا أبشروا بنصر الله فأنا نبيكم محمد رسول الله وقال لي أقرىء عني ميسرة السلام وقل له جزال الله خيرا ثم غاب عني فانتبهت فوجدت الموكلين بنا نياما مما لحقهم من التعب وقد رموا سلاحهم فأخذنا سيوفهم وطوارقهم وقتلناهم وحملنا فيهم ونصرنا الله عليهم ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلنا منهم من قتلناوخرجنا من بينهم سالمين وهذا حديثنا قال فضج المسلمون بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير النجدة قال الواقدي ثم إن بطريق الروم كان اسمه جارس فلما رأى ما قد حل بأصحابه قال وحق المسيح خاب ملك أنتم حماته فإن لم تقاتلوا بعزم وشدة والا قتلتكم قال فتحالفوا أن لا ينهزموا أو يقتلوا عن آخرهم فلما وثق منهم أمر أن تضرم الينران على شواهق الجبال
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»