فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٧
المياه قليلة الشجر فنزلوا فيها ثم إنهم ساروا فلم يروا أحدا لان الروم كانوا قد نزحوا عن البلاد لحذرهم من المسلمين فلما كان في اليوم الخامس ونحن سائرون إذ لاحت لنا قرية فقصدها المسلمون وإذا هي خالية بل سمعوا أصوات الديوك والغنم فدخلوها فلم يجدوا عندها مانعا ولا دافعا فعرفنا انهم تواروا عنا فصاح ميسرة وقال خذوا حذركم فان القوم قد انهزموا فدخل الناس إلى القرية فأخذوا ما كان فيها من طعام وأثاث ومتاع قال سعيد بن عامر فرأيت أبا الهول وهو يحمل على عاتقه ثلاثة أكسية وقطعتين قال فقلت له يا أبا الهول ما هذا فقال استعد به لبرد هذه البلاد الخبيثة فما أنساها ابدا قال وأخذوا ما كان في القرية من طعام وعلوفة وساروا إلى أن وصلوا إلى مرج يقال له مرج القبائل وهو مرج واسع فانبثت الخيل فيه يمينا وشمالا ونزل الجيش هناك وميسرة يراود نفسه في الرجوع إلى حلب وذلك أن أبا عبيدة كان قد أمره ان لا يبطىء عنه وأن يكون حذرا فبينما هو كذلك والخيل منبثة والناس آمنون من عدو يدهمهه إذ أقبل بعض الخيالة ومعه علج يقوده فلما وصل إلى ميسرة قال له ما شأن هذا ومن أين أخذته فقال اعلم أيها الأمير اني سبقت أصحابي فرأيت شخصا يلوح مرة ويختفي مرة فأسرعت اليه فإذا هو هذا فأتيته وسقته إليك قال فتقدم اليه رجل من المعاهدين فسأله فحدثه فأطال معه الكلام والناس سكوت فلما أطال قال ميسرة ويلك ما الذي يقول هذا العلج فقال أيها الأمير انه يقول إن الملك هرقل لما ركب البحر وخرج من أنطاكية ووصل إلى قسطنطينية قصدته الروح من كل مكان من المنهزمين وغيرهم وبلغه ان أنطاكية قد فتحت صلحا وانه قتل من كان فيها من المقاتلة فصعب عليه وبكى ثم قال السلام عليك يا أرض سوريا إلى يوم اللقاء وقد تجمع عنده من البطارقة والحجاب وغيرهم خلق كثير فقال لهم أني أخاف من العرب أن ترسل في طلبنا ثم أنه جهز ثلاثين ألفا مع ثلاثة بطارقة وأمرهم ان يحفظوا له الدروب فقال له ميسرة قل له كم بيننا وبينهم قال يقول لكم فرسخان قال فلما سمع ذلك ميسرة أطرق إلى الأرض لا يرد جوابا ولا يبدي خطابا فقال له رجل من آل سهم يقال له عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أبطال الموحدين وشجعانهم وكان له عمود من حديد وكان يقاتل به لا يقله في الحرب سواه وكان ذميم الخلقة فقال لميسرة بن مسروق ما لي أراك أيها الأمير مطرقا إلى الأرض أطراق الحصان لصلصلة اللجام والرجل منا يقابل ألفا من الروم فقال والله يا عبد الله ما أطرقت خوفا ولا جزعا ولكن خوفا على
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»