بشكرك قال وضجت الوحوش والسباع إلى مولاها شاكرة لما أعطاها وأولادها ونادت عالم سرها ونجواها يا من جمع الوحوش راضية بما آتاها أخرج رزقها ومرعاها تغدو خماصا وتروح بطانا إلى باب سيدها ومولاها يا من لو توارت دودة تحت الأرضين السبع لرآها ولو كانت في غلس الظلمات تحت اليم المظلم حبة لرزق عبد لبلغه إياها الهنا انا سمعنا أصوات توحيدك في هذه الأرض وما كنا عهدناها ونسمع آيات ما كنا عرفناها ولا سمعناها سبحانك يا من قدرته لا ننساها ويا من احسانه وفضله لا يتناهي قال فهتف بهم هاتف من الجو كم لله من مسبح في الجبال وذراها تحت تخوم الأرض وثراها وفي فلوات البراري المقفرات وفي قعور البحار الزاخرات وماها قال فارتاع عسكر الكفار لما سمعوا في الجو هذه الأصوات وكأنما الأرض وأقطارها وأهلها تجاوبهم وكان فلسطين قد أتى وسمع ذلك ونظر إلى جيش العرب وقد زاد في عينيه أضعافا فقال وحق ديني لما أشرفت على القوم ما كانوا في هذه الكثرة وما كانوا أكثر من خمسة آلاف وقد زاد الآن عددهم وتزايد مددهم ولا شك أن الله قد أمدهم بالملائكة ولقد كان أبي هرقل على بصيرة من أمر هؤلاء العرب وليس جيشي هذا بأعظم من جيش ماهان الأرمني لما لقيهم باليرموك في ألف ألف ولقد ندمت على خروجي إليهم ولكن سوف أدبر حيلة على هؤلاء العرب ثم إنه دعا بقس عظيم القدر عند النصرانية وهو قس قيسارية وعالمها وقال له اركب إلى هؤلاء القوم وكلمهم بالتي هي أحسن وقل لهم ان ابن الملك يسألكم أن تنفذوا اليه أفصحكم لسانا وأجرأكم جنانا فابعثوا به ولا يكون من طغام العرب قال فركب القس وعليه ثوب من الديباج الأسود وعليه برنس من الشعر فركب بغلة شهباء وأخذ بيده صليبا من الجوهر وسار حتى وصل إلى المسلمين فوقف بحيث يسمعون كلامه فقال يا معشر العرب اني رسول إليكم من الملك فلسطين بن هرقل يسألكم ان تنفذوا اليه أفصحكم لسنا وأجرأكم جنانا وانه والله يريد صلحكم ولا يبغي قتالكم لأنه عالم بدينه بصير بأموره وليس يحب سفك الدماء ولا فساد الصور فلا تبغوا علينا فالباغي مقهور والمبغى عليه منصور وقد قال لنا المسيح لا تقاتلوا الا من بغى عليكم وان الملك يريد أن تبعثوا اليه رجلا من أفصحكم لسانا وأجرئكم جنانا ثم سكت قال فلما سمع عمرو كلامه قال أيها الناس قد سمعتم ما قاله هذا الأغلف فمن منكم يبادر إلى مرضاة الله تعالى ورسوله وينظر ما يتكلم به مع ملك الروم
(١٩)