وما لكم عندنا صلح فقالوا أيها الأمير ان صاحبنا قد خرج من عندنا يريد حربكم وقتالكم قال أبو عبيدة ومتى خرج قالوا خرج سحر ونحن من بعده وسلكنا طريقا غير طريقه وانا نرجو انه هالك لا محالة لأنه ركب البغي ولم يرض بالصلح وقد أطاع هواه فقد وقع في شرك الردى فلما سمع أبو عبيدة بخروج البطريق خاف على طليعته منه فقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم هلك والله كعب ومن معه إنا لله وإنا إليه راجعون ثم اطرق إلى الأرض فقالوا لبعض مشايخ أهل حلب كلم لنا الأمير في الصلح قال فكلمه فقال أبو عبيدة بضجر لا صلح لكم عندنا قال فخاف الشيوخ على أنفسهم وقالوا انا قد اجتمع عندنا من القرى والرساتيق خلق كثير فان صالحتمونا عمرنا لكم الأرض وكنا لكم عونا على عمارتها وعشنا في ظلكم أيام عدلكم وان أنتم أبيتم ذلك فر الناس عنكم وطلبوا أقصى البلاد وشاع الخبر عنكم انكم لا تصالحون فلا يبقى حولكم أحد قال فأعلمه الترجمان بما قالوا فجعل ينظر إليهم وإذا قد برز من القوم وصاح رجل احمر الوجه وكان من حكماء الروم فصيحا بلسان عربي فقال أيها الأمير اسمع ما ألقيه إليك من العلم الذي أنزل الله في الصحف على الأنبياء قال أبو عبيدة قل لنسمع فإن كان حقا علمناه وان كان غير حق لا نسمعه ولا نعمل به وكان اسمه دحداح فقال أيها الأمير ان الله سبحانه وتعالى أنزل على أنبيائه يقول أنا الرب الرحيم خلقت الرحمة وأسكنتها في قلوب المؤمنين وأني لا أرحم من لا يرحم من أحسن أحسنت اليه ومن تجاوز تجاوزت عنه ومن عفا عفوت عنه ومن طلبني وجدني ومن أغاث ملهوفا أمنته يوم القيامة وبسطت له في رزقه وباركت له في عمره وأكترث له أهله ونصرته على عدوه ومن شكر المحسن على احسانه فقد شكرني وأنا قد اتيناك ملهوفين خائفين فأقل عثراتنا وآمن روعاتنا وأحسن الينا قال فبكى أبو عبيدة من قوله وقرأ * (إن الله يحب المحسنين) * ثم قال اللهم صل على محمد وعلى جميع الأنبياء فبهذا والله أرسل نبينا أرسله الله إلى جميع الخلق والحمد لله على هدايته لنا ثم أقبل على المسلمين وهم حوله وفيهم الرؤساء من المهاجرين والأنصار وقال لهم الحمد لله على هدايته ثم قال أن هؤلاء أهل متجر وسوقة وضياع وهم مستضعفون وقد رأينا أن نحسن إليهم ونصالحهم ونطيب قلوبهم ومتى كانت المدينة في أيدينا والسوقة معنا فإنهم يميروننا بالعلوفة ويعلموننا بما يعزم عليه عدونا ويكونون عونا لنا عليه فقال رجل من المسلمين أصلح الله الأمير ان مدنية القوم بالقرب من القلعة ولا نأمن أن القوم يدلون على عوراتنا ويخبرون بأحوالنا وما أنى القوم ليخدعونا الا ترى إلى بطريقهم وقد خرج يبغي قتالنا وحربنا فكيف يطلب هؤلاء الصلح منا ولا شك انهم مكروا بكعب بن ضمرة ومن معه من المسلمين فقال أبو عبيدة أحسن ظنك بالله وثق بالله فان الله ينصرنا ولا يسلط علينا عدونا فرحم الله من قال خيرا أو صمت وإذا أشرط عليهم النصيحة في صلحهم للمسلمين ثم
(٢٥٠)