فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
حتى لا أرى الحرب قال فلفوا وجهه ورأسه في ثوب ديباج والناس يقتتلون حتى انهزمت الروم بين أيدي المسلمين ووصلوا إلى الديرجان وهو ملفوف الرأس فحمل عليه ضرار بن الأزور فقتله قال الواقدي وكان أحسن صنع الله تعالى بالمسلمين ان جرجير و قناطر اختلفا وتنازعا وكان جرجير في الميمنة مع الأرمن وقناطر في الميسرة تحته فقال جرجير لقناطر احمل على العرب فما هذا وقت الوقوف فقال قناطر تأمرني أن أحمل وكيف لا تحمل أنت فقال جرجير لقناطر وكيف لا آمرك وأنا أمير عليك فقال قناطر كذب أنت أمير وأنا أمير عليك وفوقك وأنت مأمور لي بالطاعة فاختلفا وغضب جرجير من قول قناطر فحمل على المسلمين حملة شديدة وكانت حملته على كنانة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان وهم يؤمئذ فيما بين الميسرة والقلب فكشف الروم المسلمين حتى زالت عن مصافهم ولم يبق منهم الا أصحاب الرايات فقاتلوا من يليهم قتالا شديدا وركب الروم أكتاف المسلمين المنهزمين إلى أن دخلوا معهم إلى معسكرهم فاستقبلهم النساء بالعمد يضربن وجوه الخيل ويرمين وجوهها بالحجارة وينادين بهم إلى أين تنهزمون يا أهل الاسلام عن الأمهات والأخوات والبنين والبنات أتريدون أن تسلمونا للاعلاج قال منهال الدوسي فلقد كانت النساء أشد علينا غلظة من الروم فرجع المسلمون عن الهزيمة ونادى بعضهم بعضا * (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) * وعطفوا على الروم عطفة عظيمة قال وكان قتامة بن أيشم الكناني أمام المسلمين يضرب في عراض المشركين تارة بالسيف وتارة بالرمح حتى كسر ثلاثة رماح وهو يقول * ساحمل في الروم الكلاب النوابح * وأضربهم ضربا بحد الصفائح * وأرضي رسول الله خير مؤمل * نبي الهدى للدين أشرف ناصح * قال الواقدي ثم حمل حتى كسر سيفين وجعل كلما كسر رمحا أو سيفا يقول من يعيرني سيفا أو رمحا في سبيل الله وأجره على الله ثم نادى يا معاشر قيس خذوا نصيبكم من الاجر والصبر فان الصبر في الدنيا عز ومكرمة وفي الآخرة رحمة وفضيلة * (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) * قال فاجابه قومه ونشطوا للقتال قال قتامة بن أيشم الكناني فما رأيت مثل حملة قناطر وقومه ولقد اختلطوا بنا واختلطنا بهم قال ورجع خالد من دهمته ومعه ألفان من أصحابه وقد وضعوا السيوف في الروم وقتلوهم قتلا ذريعا والقتل لا يبين فيهم لكثرتهم واقبل خالد على الناس من كرته فرأى الناس يقولون جزى الله قتامة بن الايشم خيرا عن الاسلام فشكره وجزاه خيرا قال وأقبلت ذرعه ابنة الحرث منحدرة عن التل وهي تقول ما فعل خالد حتى وقفت بين يديه وقالت يا ابن الوليد أنت من العرب الكرام وانما الرجال بامرائها فان ثبتوا ثبتت الرجال معهم وان انهزموا انهزمت الرجال معهم فقال لها خالد ما كنت من المنهزمين وما كنا الا نقاتل في الاعلاج فقالت قبح
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»