فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢١٠
كشعاع الشمس وتحته فرس من نسل خيول عاد فلما خرج جبلة إلى عامر بن الطفيل قال له من أي الناس أنت قال أنا من دوس قال جبلة انك من القرابة فابق على نفسك وارجع إلى قومك ودع عنك الطمع فقال له عامر قد أخبرتك من أنا ومن قبيلتي فأنت من أي العرب قال أنا من غسان وأنا سيدها جميعها أنا جبلة بن الأيهم الغساني وانما خرجت إليك حين نظرت إليك وقد قتلت هذا البطريق الشديد وهو نظير ماهان وجرجير في الشجاعة فعلمت انك كفؤ فخرجت لأقتلك وأحظى عند ماهان وهرقل بقتلك فقال عامر بن الطفيل أما ما ذكرت من شدة القوم وعظم خلقهم فالله أشد منعة وهو مهلك الجبابرة وأما قولك انك تحظى بقتلي عند مخلوق مثلك فاني أريد أن أحظى بجهادي عند رب العالمين بقتلك وحمل عامر على جبلة بن الأيهم والتقيا بضربتين فخرجت ضربة عامر بن الطفيل غير ممكنة وخرجت ضربة جبلة ممكنة فقطعت من قرنه إلى كتفه فسقط عامر قتيلا فجال جبلة على مصرعه ووقف يعجب بنفسه وبما صنع وطلب البراز فخرج اليه ولد المقتول وهو جندب بن عامر بن الطفيل وكانت معه راية أبيه فاقبل إلى أبي عبيدة وقال أيها الأمير ان أبي قد قتل وأريد أن آخذ بثأره أو أقتل فادفع رأيتك لمن شئت من دوس فأخذ أبو عبيدة الراية ودفعها لرجل من دوس فحملها وخرج جندب إلى قتال جبلة بن الأيهم وهو ينشد ويقول * سأبذل مهجتي أبدا لأني * أريد العفو من رب كريم * وأضرب في العدا جهدي بسيفي * وأقتل كل جبار لئيم * فان الخلد في الجنات حق * تباح لكل مقدام سليم * قال ودنا من جبلة وقال له أثبت يا قاتل أبي لأقتلك به فقال جبلة ومن أنت من المقتول قال ولده قال جبلة ما الذي حملكم على قتل نفوسكم وأولادكم وقتل النفوس محرم قال جندب ان قتل النفس في سبيل الله محمود عند الله وننال به الدرحة العالية فقال له جبلة اني لا أريد قتلك فقال جندب وكيف أرجع وأنا المفجوع بأبي والله لا رجعت أو آخذ بثأر أبي أو الحق به ثم حمل على جبلة وجعلا يقتتلان وقد شخصت نحوهما الابصار ونظر جبلة إلى الغلام وما أبدى من شجاعته فعلم أنه شديد الباس صعب المراس فأخذ منه حذره وغسان ترمق صاحبها فرأت الغلام جندبا وقد ظهر على صاحبهم وقارنه في الحرب فصاح بعضهم على بعض وقالوا ان هذا الغلام الذي برز إلى سيدكم غلام نجيب وان تركتموه ظهر عليه فانجدوه ولا تدعوه فتأهب غسان للحملة ليستنفذوه ونظر المسلمون إلى جندب وما قد ظهر منه ومن شجاعته وشدته ففرحوا بذلك ونظر الأمير أبو عبيدة إلى ذلك وما فعل فبكى وقال هكذا يكون من يبذل مهجته في سبيل الله اللهم تقبل له فعله قال جابر بن عبد الله شهدت قتال اليرموك فيما رأيت غلاما كان أنجب من جندب بن عامر بن الطفيل حين قاتله جبلة وبعد ذلك حمل على جبلة وضربه ضربة
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»