فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢١٢
شديدا انهزمت فيه فرسان المسلمين ثلاث مرات كل مرة تردهم النساء بالحجارة والعمد ويلوحون بالأطفال إليهم فيرجعون إلى القتال ولم يزل القتال قائما إلى أن اقبل الليل بسواده ورجعت الروم إلى مواضعها والقتل فيهم كثير وفي المسلمين قليل الا ان الجراح فيهم فاشية من النشاب فلما دخل الليل بسواده رجعت كل فرقة إلى أماكنها وباتوا تحت السلاح قال وأما المسلمون فما كانت همتهم الا الصلاة وبعد ذلك شدوا الجراح وصلى أبو عبيدة رضي الله عنه وقال أيها الناس إذا عظم البلاء فانتظروا الفرج فإنه يأتي من عند الله فاضرموا نيرانكم وتحارسوا وأظهروا التهليل والتكبير وقام أبو عبيدة يمشي في الناس هو وخالد بن الوليد يتفقدان الجرحى ويقولان أيها الناس أن عدوكم يألم كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وباتا طول ليلهم كله وهما طائفان على المسلمين إلى أن أصبح الصباح قال وانحازت الروم إلى جانب اليرموك مع ماهان الأرمني فجمع بطارقته ووبخهم وزجرهم وقال لهم قد علمت أن هذا يكون منكم وقد رأيت فشلكم وخوفكم وجزعكم من هؤلاء العرب الضعاف قال فاعتذروا اليه وقالوا غدا نبارزهم فان فينا فرسانا وشجعانا لم يقاتلوا أصلا وغدا نصدقهم الحرب فتكون لنا العاقبة قال فسكت عن توبيخهم وأمرهم أن يتأهبوا لذلك وبات الفريقان يتحارسون وقد رعبت الروم من كثرة القتل فيهم واما المسلمون فإنهم أقوى قلوبا لشدة دينهم ويقينهم قال فلما أصبح الصباح صلى بهم أبو عبيدة صلاة الخوف وإذا بالصلبان قد بدت وبرايات القوم قد طلعت في عدد الشوك والشجر كأنهم لم يلاقوا قتالا قط فوقفوا في مصافهم ونصب ماهان سريره على الكثيب الذي كان عليه بالأمس وهو يشرف منه على العساكر فامرهم أن يعبوا مصافهم فلما نظر أمير المؤمنين إلى سرعة الروم صاح كل أمير برجاله وحرضهم على القتال فانقلبوا من الصلاة إلى خيولهم ولبسوا السلاح وركبوا خيولهم ورجع كل أمير إلى مكانه وهو يعظ أصحابه ويوصيهم ويعدهم من الله بالنصر وسار أبو عبيدة بين الصفوف وهو يصف لهم فضل الجهاد وما أعد الله للمجاهدين الصابرين وخلف على الذراري والنساء والأموال والأولاد عمرو بن سعيد ابن عبد الله الأنصاري وجعل من الرماة خمسمائة في الميسرة وخمسمائة في القلب وطاف أبو عبيدة عليهم وقال لهم معاشر الرماة الزموا مراكزكم فان رأيتم القوم زحفوا الينا فارشقوهم بالنبل واذكروهم عند رميكم ولا تتركوها مفرقة ولتخرج سهامكم كأنها من كبد قوس واحدة فان هم زحفوا إليكم فاثبتوا مكانكم حتى يأتيكم أمري ففعلوا ما امرهم به الأمير وتقدم أبو سفيان إلى ولده يزيد والراية في يده وحوله أصحابه وقد عزم على الحملة والجهاد فقال يا بني ان أحسنت أحسن الله إليك عليك بتقوى الله والصبر فاتق الله حق تقاته وانصر دين الله وشرع نبيه صلى الله عليه وسلم وإياك والجزع فما قضاه ربنا قد أمضاه فاصبر مع أصحابك صبر أولى العزم وأياك ثم إياك أن يراك الله
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»