فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٧١
يتقووا على بلدي لان الروم لا ترضى مني الا أن أكون مقاتلا لكم وقد رأسوني على جميع العرب وأنا لو دخلت دينكم كنت دنيئا ولا اتبع فقال الأنصاري فان أبيت ما عرضناه عليك فان ظفرنا بك قتلناك فاعتزل عنا وعن سيوفنا فإنها تفلق الهام وتبري العظام فتكون الوقعة بغيرك أحب الينا من الوقعة بك وبمن معك قال وكانت الأنصار يريدون بهذا الكلام تخويفه وترغيبه كي ينصرف عنهم وجبلة يأبى ذلك فقال وحق المسيح والصليب لا بد أن أقاتل عن الروم ولو كان لجميع الأهل والقرابة فقال له قيس بن سعد يا جبلة أبيت الا أن يحتوي الشيطان على قلبك فيهوى بك في النار فتكون من الهالكين وانما أتينا لندعوك إلى دين الاسلام لان رحمك متصلة برحمنا فان أبيت فستعاين منا حربا شديدا يشيب فيه الطفل الصغير ثم وثب قيس بن سعد وقال لقومه انهضوا على بركة الله تعالى وعونه وحسن طاعته فبعدا له وسحقا فقام جبلة فاستعد للقتال بعدته قال فركب الأنصار خيولهم ورجعوا إلى الأمير أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنه وأعلموهما بمقالة جبلة وأنه ما يريد الا القتال فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه أبعده الله تعالى فوعيش عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين لينظرن منا جبلة ما ينظر ثم قال خالد بن الوليد رضي الله عنه اعلموا معاشر المسلمين أن القوم في ستين ألف فارس من العرب المتنصرة وهم حزب الشيطان ونحن ثلاثون ألف فارس من حزب الرحمن ونريد أن نلقي هذا الجمع الكبير فان قاتلنا جبلة بجمعنا كله كان ذلك وهنا منا ولكن ينتدب منا أبطال ورجال إلى قتال هؤلاء العرب المتنصرة فقال أبو سفيان صخر بن حرب لله درك يا أبا سليمان فلقد أصبت الرأي فاصنع ما تريد وخذ من الجيش ما أحببت فقال إني قد رأيت من الرأي أن نندب من جيشنا ثلاثين فارسا فيلقى كل واحد ألفي فارس من العرب المتنصرة قال الواقدي فلم يبق أحد من المسلمين الا عجب من مقالة خالد بن الوليد رضي الله عنه وظنوا أنه يمزح بمقالته وكان أول من خاطبه في ذلك أبو سفيان صخر بن حرب وقال يا ابن الوليد هذا كلام منك جد أو هزل فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه لا وعيش عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت الا جدا فقال أبو سفيان فتكون مخالفا لامر الله تعالى ظالما لنفسك وما أظن أن لك في هذه المقالة مساعدا ولو قاتل الرجل منا مائتين كان ذلك أسهل من قولك يقاتل الرجل منا ألفين وأن الله عز وجل رحيم بعباده فرض رجلا منا تلقى الستين ألف فارس فما يجيبك أحد إلى ذلك وان أجابك رجل لما قلته فإنه ظالم لنفسه معين على قتله فقال خالد بن الوليد رضي الله عليه وسلم يا أبا سفيان كنت شجاعا في الجاهلية فلا تكن جبانا في الاسلام وانظر لمن أنتخب من رجال المسلمين وأبطال الموحدين فإنك إذا رأيتهم علمت أنهم رجال قد وهبوا أنفسهم لله عز وجل
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»