ومشايخهم يلازمونه ويعالجونه إلى أن انقضت مدة حياته وكانت وفاته رحمه الله في الساعة الثانية من يوم الاثنين سابع عشر شعبان سنة ست عشرة وستمائة وله من العمر ثمان وثلاثون سنة ودفن عند أبيه وأخيه في ظاهر باب الفراديس ومن كلامه في الحكمة مما سمعته منه رحمه الله فمن ذلك وصية أول النهار قال قد أقبل هذا النهار وأنت فيه مهيأ لكل فعل فاختر لنفسك أفضلها لتوصلك إلى أفضل الرتب وعليك بالخير فإنه يقربك من الله ويحببك إلى الناس وإياك والشر فإنه يبعدك عن الله ويبغضك إلى الناس وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند انقضاء هذا النهار والحذر من أن يغلب شرك على خيرك وليس الفاضل من بقي على حالة الطبيعة مع عدم المؤذيات بل الفاضل من بقي عليها مع وجود المؤذيات والانقطاع عن الناس أكبر مانع للأذى وأقبل وصايا الأنبياء واقتد بأفعال الحكماء وعليك بالصدق فإن الكذب يصغر الإنسان عند نفسه فضلا عن غيره واحلم تشكر وتفضل فإن الحقد يعجل الهم ويوقع في العداوات والشرور وكذلك الحسد وتجنب الأشرار تكف الأذى وأبعد عن أرباب الدنيا تكف الأشرار واقنع من دنياك بما تدفع به ضرورة بدنك وأعلم أن نهارك هذا قطعة تذهب من حياتك فأنفقها فيما يعود عليك نفعه وإذا اندفعت ضرورة بدنك اقض باقي نهارك في مصلحة نفسك وافعل بالناس ما تشتهي أن يفعلوه بك وإياك والغضب والمبادرة إلى الانتقام من المغضب أو الانفصال عنه فإنه ربما أوقع في الندم وعليك بالصبر فإنه رأس كل حكمة وصية أول الليل قد انقضى نهارك بما فيه وأقبل عليك هذا الليل وليس لك فيه فعل بدني ضروري فاعطف على مصلحة نفسك بالاشتغال في العلم والفكر في الاطلاع على الحقائق ومهما استطعت اليقظة في ذلك فافعل فإذا أردت النوم فاجعل في نفسك ملازمة ما أنت فيه لتكون رؤياك من هذا الجنس وافعل ما تحاسب نفسك عليه عند الصباح واحرص أن تكون في غدك أفضل من يومك المنقضي وإياك أن تجدبك الطباع إلى الفكر فيما عاينته في نهارك من أحوال أرباب الدنيا فتضيع وقتك وتنفتح لك أبواب الخداع والحيل والمكر في تحصيل أمور الدنيا وتظلم نفسك وتفسد حالك وتبعد عن الحقائق وتكتسب الأخلاق المذمومة ويعسر تخلصك منها لكن اعلم أن هذه أعرض زائلة لا فائدة فيها وإن ضرورات الإنسان قليلة جدا وفكر فيما يعود على نفسك نفعه وتهيأ للقاء الله فإن علمك بموتك متى يكون مستورا عنك وما جاؤوك في أن يأتي يوم آخر عليك أقوى من وهمك أن تموت في هذه الليلة فودع بالثبات على ما تنتفع به بعد المفارقة والسلام وقال احترم المشايخ ولو سكتوا عن جواب سؤالك فلعل ذلك لبعد العهد وكلال القوى أو لأنك سألت عما لا يعنيك أو معرفتهم بعجز فهمك عن الجواب واعلم أن فوائدك منهم أكثر من ذلك وقال اشتغل بكلام المشهورين الجامعة أولا فإذا حصلت الصناعة فاشتغل بالكتب الجزئية من
(٧٤٢)