فرخشاه بن شاهان شاه بن أيوب فبعث إليه يستدعيه ويستدعي جدي لأنه كان يعرفه من عهد أبيه فلما وصلا إليه تلقاهما وأحسن إليهما غاية الإحسان وأطلق لهما الجامكية والجراية والرتب وحسن موقع عمي عنده جدا حتى كان لا يفارقه في أكثر أوقاته ولما رأى علمه بالحساب وجودة تصرفه فيه طلب منه يريه شيئا من الحساب فامتثل أمره وعرفه جملة منه وألف له كتابا في الحساب يحتوي على أربع مقالات وكان للملك الأمجد رحمه الله نظر في الفضائل ورغبة في أهلها وينظم شعرا جيدا وله ديوان مشهور ولما كان في سنة تسع وستمائة مرضت عيني خادم يقال له سليطة للسلطان الملك العادل أبي بكر ابن أيوب وهو يعزه كثيرا وتفاقم المرض في عينيه حتى هلكت ويئس منها ورآه المشايخ من الأطباء والكحالين وكل عجز عن مداواته وأجمعوا أنه قد عمي وأن المداواة لم يبق لها فيه تأثير أصلا ولما رآه أبي وتأمل عينيه قال أنا أداوي عيني هذا ويبصر بهما إن شاء الله تعالى وشرع في مداواته وفي علاجه وعيناه في كل وقت تصلح حتى كملت عافيته وبرأ برءا تاما وركب وعاد إلى ما كان عليه أولا حتى كان يتعجب منه وظهرت منه في مداواته معجزة لم يسبق إليها فأحسن الملك العادل ظنه به كثيرا وأكرمه غاية الإكرام من الخلع وغيرها وكان له قبل ذلك أيضا تردد إلى الدور السلطانية بالقلعة بدمشق وداوى بها جماعة كانت في أعينهم أمراض صعبة فصلحوا في أسرع وقت وعرف بذلك أيضا الملك العادل وقال مثل هذا يجب أن يكون معي في السفر والحضر وطلبه للخدمة فسأل أن يعفى وأن يكون مقيما بدمشق فلم يجبه إلى ذلك وأطلق له جامكية وجراية واستقرت خدمته له في خامس عشر ذي الحجة سنة تسع وستمائة وكان حظيا عنده وعند جميع أولاده الملوك ويعتمدون عليه في المداواة وله منهم الإحسان الكثير والافتقاد التام ولم يزل في الخدمة إلى أن توفي الملك العادل رحمه الله وملك دمشق بعده الملك المعظم فأمر أن يستمر في خدمته وكان له فيه أيضا من حسن الاعتقاد والرأي مثل أبيه وأكثر وخدم الملك المعظم لاستقبال صفر سنة عشرة وستمائة ولم يزل في خدمته إلى أن توفي الملك المعظم رحمه الله ورسم الملك الناصر داود ابن الملك المعظم بأن يستمر في خدمته وأن يجري له ما كان مقررا في أيام والده فبقي معه إلى أن اتفق توجه الملك الناصر إلى الكرك فأقام أبي بدمشق وصار يتردد إلى القعلة لخدمة الدور السلطانية لكل من ملك دمشق من أولاد الملك العادل وغيرهم وكلهم يرون له ويعتمدون عليه في المداواة وله الجامكية والجراية والإنعام الكثير ويتردد أيضا إلى البيمارستان نور الدين الكبير وله الجامكية والجراية والناس يقصدونه من كل ناحية لما يجدون في مداواته من سرعة البرء وإن أمراضا كثيرة مما تكون مداواتها بالحديد يبرئها بذلك على أجود ما يمكن ومنها ما يعالجها بالأدوية ويبرئها بها ويستغني أصحابها عن الحديد وهذا المعنى قد مدحه جالينوس في كتابه في محنة الطبيب الفاضل وقال رأيت طبيبا يبرئ بالأدوية الأدواء التي يبرئها المعالجون بالحديد بالقطع فعد ذلك على أن له علما ودربة وحذقا قال وأحمد أيضا من رأيته يبرئ بالأدوية وحدها
(٧٣٨)