ثم باحث الأطباء ولازم مشاهدة المرضى بالبيمارستان ومعرفة أمراضهم وما يصف الأطباء لهم وكان فيه جماعة من أعيان الأطباء ثم قرأ في أثناء ذلك علم صناعة الكحل وباشر أعمالها عند القاضي نفيس الدين الزبير وكان المتولي للكحل في ذلك الوقت في البيمارستان وكذلك أيضا باشر معه في البيمارستان أعمال الجراح وكان الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي يومئذ في القاهرة وكان صديقا لجدي وبينهما مودة أكيدة فاشتغل عمي عليه بشيء من العربية والحكمة وكان يبحث معه في كتب أرسطوطاليس ويناقشه في المواضع المشكلة منها وكان يجتمع أيضا بسديد الدين وهو علامة في العلوم الحكمية ويشتغل عليه وكان أيضا قبل ذلك قد اشتغل بعلم النجوم على أبي محمد بن الجعدي وكان هذا الشيخ فاضلا في علم النجوم متميزا في أحكامه وكان لحق الخلفاء المصريين ويعد من الخواص عندهم وكان أبوه من أعيان الأمراء في دولتهم وأما صناعة الموسيقى فكان قد أخذها عن ابن الديجور المصري وعن صفي الدين أبي علي بن التبان ثم بعد ذلك أيضا اجتمع بأعيان المصنفين في هذا الفن مثل البهاء المصلح الكبير وشهاب الدين النقجوني وشجاع الدين بن الحصن البغدادي ومن هو في طبقتهم وأخذ عنهم كثيرا من تصانيف العرب والعجم ولم يكن لعمي دأب في سائر أوقاته من صغره إلا النظر في العلوم والاشتغال وتكميل نفسه بالفضائل ولما عاد جدي إلى الشام وانتقل إليها وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وكان لعمي في ذلك الوقت من العمر نحو العشرين سنة شرع عمي في معالجة المرضى والتزيد في صناعة الطب وكان في دمشق الشيخ رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي وكان كثير الصداقة لجدي من السنين الكثيرة وسمع بعمي ولما شاهده ورأى تحصيله فرح به وبقي عمي يحضر مجلسه ويقرأ عليه ويبحث معه في صناعة الطب وباشر المرضى في البيمارستان الذي أنشأه الملك العادل نور الدين بن زنكي وكان فيه من الأطباء موفق الدين بن الصرف والشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي واشتغل أيضا بالحكمة في ذلك الوقت على موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي لأنه كان أيضا قد عاد إلى الشام وكان بدمشق أيضا جماعة من أهل الأدب ومعرفة العربية مثل زين الدين بن معطي فلازمه واشتغل عليه ومثل تاج الدين بن حسن الكندي أبي اليمن وكان صديقا لجدي وبينهما مودة سالفة من عند عز الدين فرخشاه فلازمه عمي أيضا واشتغل عليه بالعربية وأتقن عمي هذه العلوم بأسرها وصار شيخا يقتدى به في صناعة الطب ويشتغل عليه بها وله من العمر دون الخمس وعشرين سنة وكان أيضا يشعر ويترسل وكان يتكلم بالفارسية ويعرف تصاريف لغة الفرس وينظم شعرا بالفارسي وكان أيضا يتكلم بالتركي ولما كان في يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان سنة خمس وستمائة استدعاه السلطان الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وسمع كلامه وحسن موقعه عنده وأنعم عليه وأمر أن ينتظم في خدمته فاتفقت تعاويق من حركات السلطان وبعد ذلك بأيام سمع به صاحب بعلبك وهو الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين
(٧٣٧)