عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٧٢٥
وسأله ما يكون من حاله وهل يخلص من الحبس قال فلما وصلت الرسالة إليه أخذ ارتفاع الشمس للوقت وحقق درجة الطالع والبيوت الاثني عشر ومركز الكواكب ورسم ذلك كله في تخت الحساب وحكم بمقتضاه فقال يخلص هذا من الحبس ويخرج منه وهو فرحان مسرور وتلحظه السعادة أن يبقى له أمر مطاع في الدولة بمصر ويمتثل أمره ونهيه جماعة من الخلق فلما وصل إليه الجواب بذلك فرح به وعندما وصله مجيء الملوك وأن النصر لهم خرج وأيقن أن يبقى وزيرا بمصر وتم له ما ذكره المنجم من الخروج من الحبس والفرح والأمر والنهي وصار له أمر مطاع في ذلك اليوم ولم يعلم أمين الدولة ما يجري عليه بعد ذلك وأن الله عز وجل قد أنفذ ما جعله عليه مقدورا وكان ذلك في الكتاب مسطورا وكان للصاحب أمين الدولة نفس فاضلة وهمة عالية في جمع الكتب وتحصيلها واقتنى كتبا كثيرة فاخرة في سائر العلوم وكانت النساخ أبدا يكتبون له حتى أنه أراد مرة نسخة من تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر وهو بالخط الدقيق ثمانون مجلدا فقال هذا الكتاب الزمن يقصر أن يكتبه ناسخ واحد ففرقه على عشرة نساخ كل واحد منهم ثمان مجلدات فكتبوه في نحو سنتين وصار الكتاب بكماله عنده وهذا من علو همته ولما كان رحمه الله بدمشق وهو في دست وزارته في أيام الملك الصالح إسماعيل وكان أبي صديقه وبينهما مودة فقال له يوما سديد الدين بلغني أن ابنك قد صنف كتابا في طبقات الأطباء ما سبق إليه وجماعة الأطباء الذين يأتون إلي شاكرين منه وهذا الكتاب جليل القدر وقد اجتمع عندي في خزانتي أكثر من عشرين ألف مجلد ما فيها شيء من هذا الفن وأشتهي منك أن تبعث إليه يكتب لي نسخة من هذا الكتاب وكنت يومئذ بصرخد عند مالكها الأمير عز الدين أيبك المعظمي فامتثل أمره ولما وصلني كتاب أبي أتيت إلى دمشق واستصحبت معي مسودات من الكتاب واستدعيت الشريف الناسخ وهو شمس الدين محمد الحسيني وكان كثيرا ينسخ لنا وخطه منسوب في نهاية الجودة وهو فاضل في العربية فأخليت له موضعا عندنا وكتب الكتاب في مدة يسيرة في تقطيع ربع البغدادي أربعة أجزاء ولما تجلدت عملت قصيدة مديح في الصاحب أمين الدولة وبعثت بالجميع إليه مع قاضي القضاة بدمشق رفيع الدين الجيلي وهو من جملة المشايخ الذين اشتغلت عليهم فإني قرأت عليه شيئا من كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا وكان بيني وبينه أنس كثير ولما وقف أمين الدولة على ذلك أعجبه غاية الإعجاب وفرح به كثيرا وأرسل إلي مع القاضي المال الجزيل والخلع الفاخرة وتشكر وقال أشتهي منك أن كلما تصنفه من الكتب تعرفني به وهذه نسخة القصيدة التي قلتها فيه وذلك في أوائل سنة ثلاث وأربعين وستمائة (فؤادي في محبتهم أسير * وأنى سار ركبهم يسير) (يحن إلى العذيب وساكنيه * حنينا قد تضمنه سعير)
(٧٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 730 ... » »»