عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٧٢٩
يخل بخدمة الصاحب صفي الدين بن شكر والتردد إليه وعرف الصاحب منزلته في صناعة الطب وعلمه وفضله ولما كان في شهر شوال سنة أربع وستمائة كان الملك العادل قد قال للصاحب بن شكر نريد أن يكون مع الحكيم موفق الدين عبد العزيز حكيم آخر برسم خدمة العسكر والتردد إليهم في أمراضهم فإن الحكيم عبد العزيز ما يلحق لذلك فامتثل أمره وقال ههنا حكيم فاضل في صناعة الطب يقال له المهذب الدخوار يصلح أن يكون في خدمة مولانا فأمره باستخدامه ولما حضر مهذب الدين عند الصاحب قال له إني شكرتك للسلطان وهذه ثلاثون دينارا ناصرية لك في كل شهر وتكون في الخدمة فقال يا مولانا الحكيم موفق الدين عبد العزيز له في كل شهر مائة دينار ورواتب مثلها وأنا أعرف منزلتي في العلم وما أخدم بدون مقرره وانفصل عن الصاحب ولم يقبل ثم أن الجماعة ذمت مهذب الدين على امتناعه وما بقي يمكنه أن يعاود الصاحب ليخدم وكان مقرره في البيمارستان شيء يسير واتفق المقدور أن بعد ذلك الحديث بنحو شهر وكان يعاود الموفق عبد العزيز قولنج صعب فعرض له وتزايد به ومات منه ولما بلغ الملك العادل موته قال للصاحب كنت قد شكرت لنا حكيما يقال له المهذب نزله على مقرر الموفق عبد العزيز فتنزل على جميع مقرره واستمر في خدمة الملك العادل من ذلك الوقت ثم لم تزل تسمو منزلته عنده وتترقى أحواله حتى صار جليسه وأنيسه وصاحب مشورته وظهر أيضا منه في أول خدمته له نوادر في تقدمة المعرفة أكدت حسن ظنه به واعتماده عليه ومن ذلك أن الملك العادل كان قد مرض ولازمه أعيان الأطباء فأشار الحكيم مهذب الدين عليه بالفصد فلم يستصوب ذلك الأطباء الذين كانوا معه فقال والله لم نخرج له دما إلا خرج الدم بغير اختيارنا ولم يوافقوه في قوله فما كان بعد ذلك بأيسر وقت إلا والسلطان قد رعف رعافا كثيرا وصلح فعرف أن ما في الجماعة مثله ومن ذلك أيضا أنه كان يوما على باب دار السلطان ومعه جماعة من أطباء الدور فخرج خادم ومعه قارورة جارية يستوصف لها من شيء يؤلمها فلما رآها الأطباء وصفوا لها ما حضرهم وعندما عاينها الحكيم مهذب الدين قال إن هذا الألم الذي تشكوه لم يوجب هذا الصبغ الذي للقارورة يوشك أنه يكون الصبغ من حناء قد اختضبت به فأعلمه الخادم بذلك وتعجب منه وأخبر الملك العادل فتزيد حسن اعتقاده فيه ومن محاسن ما فعله الشيخ مهذب الدين من كمال مروءته ووافر عصبيته حدثني أبي قال كان الملك العادل قد غضب على قاضي القضاة محيي الدين بن زكي الدين بدمشق لأمر نقم عليه به وأمر باعتقاله في القلعة ورسم عليه أن يزن للسلطان عشرة آلاف دينار مصرية وشدد عليه في ذلك وبقي في الحبس والمطالبة عليه كل وقت فوزن البعض وعجز البعض وعجز عن وزن بقية المال وعظم الملك العادل عليه الأمر وقال لا بد أن يزن بقية المال وإلا عذبته فتحير القاضي وأبلغ جميع موجوده وأثاث بيته حتى الكتب التي له وتوسل إلى السلطان وتشفع بكثير من الأمراء والخواص والأكابر مثل الشميس أستاذ الدار وشمس الخواص صواب والوزير وغيرهم أن يسامحه بالبعض أو يسقط عليه فما
(٧٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 724 725 726 727 728 729 730 731 732 733 734 ... » »»