عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٧٣٠
فعل السلطان وحمل القاضي هما عظيما على ذلك حتى قل أكله ونومه وكاد يهلك فافتقده الحكيم مهذب الدين وكان بينهما صداقة قديمة وشكا إليه حاله وسأله المساعدة بحسب ما يقدر عليه ففكر مهذب الدين وقال أنا أدبر لك أمرا وأرجو أن يكون فيه نفع لك إن شاء الله تعالى وفارقه وكانت سرية الملك العادل أم الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل متغيرة المزاج في تلك الأيام وكانت تركية الجنس وعندها عقل ودين وصلاح ولها معروف كثير وصدقات فلما حضر الحكيم مهذب الدين عندها وزمام الدور أوجدها مهذب الدين حال القاضي وضرره وأنه مظلوم وقد ألزمه السلطان بشيء لا يقدر عليه وطلب منها شفاعة لعل السلطان ينظر إليه بعين الرحمة ويسامحه بالبعض أو يقسط عليه وساعده الزمام في ذلك فقالت والله كيف لي بالخير للقاضي وأن أقول للسلطان عنه ولكن ما يمكن هذا فإن السلطان يقول لي أيش الموجب أنك تتكلمي في القاضي ومن أين تعرفيه ولو كان هو في المثل حكيم يتردد إلينا أو تاجر يشتري لنا القماش كان فيه توجه للكلام والشفاعة وهذا فما يمكن أتكلم فيه فقال لها الحكيم يا ستي أنت لك ولد ومالك غيره وتطلبي له السعادة والبقاء وتلقي من الله كل خير بشيء تقدري تفعليه وما تقولي للسلطان شفاعة أصلا فقالت أيش هو فقال وقت يكون السلطان وأنتم نيام توجديه أنك أبصرت مناما في أن القاضي مظلوم وعرفها ما تقول هذا يمكن ولما تكاملت عافيتها وكان الملك العادل نائما عندها وهي إلى جانبه انتبهت في أواخر الليل وأظهرت أنها مرعوبة وأمسكت فؤادها وبقيت ترتعد وتتباكى فانتبه السلطان وقال مالك وكان يحبها كثيرا فلم تجبه مما بها فأمر بإحضار شراب تفاح وسقاها ورش على وجهها ماء ورد وقال أما تخبريني أيش جرى عليك وأيش عرض لك فقالت يا خوند منام عظيم هالني وكدت أموت منه وهو أنني رأيت كأن القيامة قد قامت وخلق عظيم وكان في موضع به نيران كثيرة تشعل وناس يقولون هذا للملك العادل لكونه ظلم القاضي ثم قالت هل فعلت قط بالقاضي شيئا فما شك في قولها وانزعج ثم قام لوقته وطلب الخدام وقال امضوا إلى القاضي وطيبوا قلبه وسلموا عليه عني وقولوا له يجعلني في حل مما تم عليه وأن جميع ما وزنه يعاد إليه وما أطالبه بشيء فراحوا إليه وفرح القاضي غاية الفرح بقولهم ودعا للسلطان وجعله في حل ولما أصبح أمر له بخلعة كاملة وبغلة وأعاده إلى القضاء وأمر بالمال الذي وزنه أن يحمل إليه من الخزانة وأن جميع ما باعه من الكتب وغيرها تسترجع من المشترين لها ويعطوا الثمن الذي وزنوه وحصل للقاضي الفرج بأهون سعي وألطف تدبير قال ولما كان الملك العادل بالشرق وذلك في سنة عشر وستمائة مرض مرضا صعبا وتولى علاجه الحكيم مهذب الدين إلى أن برئ مما كان به فحصل له منه في تلك المرضة نحو سبعة آلاف دينار مصرية وبعث إليه أيضا أولاده الملك العادل وسائر ملوك الشرق وغيرهم الذهب والخلع والبغلات بأطواق الذهب وغير ذلك وكذلك توجه الملك العادل إلى الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وستمائة وأقام بالقاهرة أتى في ذلك الوقت وباء عظيم إلى أن هلك أكثر الخلق وكان قد مرض الملك
(٧٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 725 726 727 728 729 730 731 732 733 734 735 ... » »»