عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٧٠٠
محاسنها الجلية والخفية وكان أوحدا في معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها وتحقيق خواصها وتأثيراتها ومولده في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بمدينة صور ونشأ بها ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب على الشيخ موفق الدين عبد العزيز وقرأ أيضا على الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي وتميز في صناعة الطب وأقام بالقدس سنتين وكان يطب في البيمارستان الذي كان فيه وصحب الشيخ أبا العباس الجياني وكان شيخا فاضلا في الأدوية المفردة متفننا في علوم أخر كثير الدين محبا للخير فانتفع بصحبته له وتعلم منه أكثر ما يفهمه واطلع رشيد الدين بن الصوري أيضا على كثير من خواص الأدوية المفردة حتى تميز على كثير من أربابها وأربى على سائر من حاولها واشتغل بها هذا مع ما هو عليه من المروءة التي لا مزيد عليها والعصبية التي لم يسبق إليها والمعارف المذكورة والشجاعة المشهورة وكان قد خدم بصناعة الطب الملك العادل أبا بكر بن أيوب في سنة اثنتي عشرة وستمائة لما كان الملك العادل متوجها إلى الديار المصرية واستصحبه معه من القدس وبقي في خدمته إلى أن توفي الملك العادل رحمه الله ثم خدم بعده لولده الملك المعظم عيسى بن أبي بكر وكان مكينا عنده وجيها في أيامه وشهد معه مصافات عدة مع الفرنج لما كانوا نازلوا ثغر دمياط ولم يزل في خدمته إلى أن توفي المعظم رحمه الله وملك بعده ولده الملك الناصر داود بن الملك المعظم فأجراه على جامكيته ورأى له سابق خدمته وفوض إليه رياسة الطب وبقي معه في الخدمة إلى أن توجه الملك الناصر إلى الكرك فأقام هو بدمشق وكان له مجلس للطب والجماعة يترددون إليه ويشتغلون بالصناعة الطبية وحرر أدوية الترياق الكبير وجمعها على ما ينبغي فظهر نفعه وعظمت فائدته وكان قد صنع منه شيئا كثيرا في أيام الملك المعظم وتوفي رشيد الدين بن الصوري رحمه الله يوم الأحد أول شهر رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة بدمشق وكان رشيد الدين ابن الصوري قد أهدى إلي تأليفا له يحتوي على فوائد ووصايا طبية فقلت وكتبت بها إليه في رسالة (لعلم رشيد الدين في كل مشهد * منار علا يأتمه كل مهتدي) (حكيم لديه المكرمات بأسرها * توارثها عن سيد بعد سيد) (حوى الفضل عن آبائه وجدوده * فذاك قديم فيه غير مجدد) (تفرد في ذا العصر عن كل مشبه * بخير صفات حصرها لم يجدد) (أتتني وصاياه الحسان التي حوت * بنثر كلام كل فصل منضد) (وأهدى إلى قلبي السرور ولم يزل * بإحسانه يسدي لمثلي من يد) (وجدت بها ما أرتجيه وإنني * بها أبدا فيما أحاول مقتدي) (ولا غرو من علم الرشيد وفضله * إذا كان بعد الله في العلم مرشدي) الطويل
(٧٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 695 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 ... » »»