عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٨٩
وأصحابه أيادي سبأ ومزقوا في البلاد كل ممزق وأكثرهم توجه إلى مصر لخصبها وسعة صدر ملكها وأقمت بدمشق وملكها الملك الأفضل وهو أكبر الأولاد في السن إلى أن جاء الملك العزيز بعساكر مصر يحاصر أخاه بدمشق فلم ينل منه بغية ثم تأخر إلى مرج الصفر لقولنج عرض له فخرجت إليه بعد خلاصه منه فأذن لي في الرحيل معه وأجرى علي من بيت المال كفايتي وزيادة وأقمت مع الشيخ أبي القاسم يلازمني صباح مساء إلى أن قضى نحبه ولما اشتد مرضه وكان ذات الجنب عن نزلة من رأسه وأشرت عليه بدواء فأنشد (لا أذود الطير عن شجر * قد بلوت المر من ثمره) المديد ثم سألته عن ألمه فقال (ما لجرح بميت إيلام *) الخفيف وكان سيرتي في هذه المدة أنني أقرئ الناس بالجامع الأزهر من أول النهار إلى نحو الساعة الرابعة وسط النهار يأتي من يقرأ الطب وغيرهم وآخر النهار أرجع إلى الجامع الأزهر فيقرأ قوم آخرون وفي الليل اشتغل مع نفسي ولم أزل على ذلك إلى أن توفي الملك العزيز وكان شابا كريما شجاعا كثير الحياء لا يحسن قول لا وكان مع حداثة سنه وشرخ شبابه كامل العفة عن الأموال والفروج أقول ثم إن الشيخ موفق الدين أقام بالقاهرة بعد ذلك مدة وله الرتب والجرايات من أولاد الملك الناصر صلاح الدين وأتى إلى مصر ذلك الغلاء العظيم والموتان الذي لم يشاهد مثله وألف الشيخ موفق الدين في ذلك كتابا ذكر فيه أشياء شاهدها أو سمعها ممن عاينها تذهل العقل وسمى ذلك الكتاب كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر ثم لما ملك السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب الديار المصرية وأكثر الشام والشرق وتفرقت أولاد أخيه الملك الناصر صلاح الدين وانتزع ملكهم توجه الشيخ موفق الدين إلى القدس وأقام بها مدة وكان يتردد إلى الجامع الأقصى ويشتغل الناس عليه بكثير من العلوم وصنف هنالك كتبا كثيرة ثم أنه توجه إلى دمشق ونزل بالمدرسة العزيزية بها وذلك في سنة أربع وستمائة وشرع في التدريس والاشتغال وكان يأتيه خلق كثير يشتغلون عليه ويقرأون أصنافا من العلوم وتميز في صناعة الطب بدمشق صنف في هذا الفن كتبا كثيرة وعرف به وأما قبل ذلك فإنما كانت شهرته بعلم النحو وأقام بدمشق مدة وانتفع الناس به ثم أنه سافر إلى حلب وقصد بلاد الروم
(٦٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 684 685 686 687 688 689 690 691 692 693 694 ... » »»