عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٩٧
الصحبة فما فعل وكذلك غيره من الملوك وحدثني الأمير صارم الدين التبنيني رحمه الله أنه لما كان بالكرك وبه صاحب الكرك يومئذ الملك الناصر داود بن الملك المعظم وكان الملك الناصر قد توعك مزاجه واستدعى الحكيم عمران إليه من دمشق فأقام عنده مديدة وعالجه حتى صلح فخلع عليه ووهب له مالا كثيرا وقرر له جامكية في كل شهر ألفا وخمسمائة درهم ناصرية ويكون في خدمته وأن يسلف منها عن سنة ونصف سبعة وعشرين ألف درهم فما فعل أقول وكان السلطان الملك العادل لم يزل يصله بالإنعام الكثير وله منه الجامكية الوافرة والجراية وهو مقيم بدمشق ويتردد إلى خدمة الدور السلطانية بالقلعة وكذلك في أيام الملك المعظم وكان قد أطلق له أيضا جامكية وجراية تصل إليه ويتردد إلى البيمارستان الكبير ويعالج المرضى به وكان به أيضا في ذلك الوقت شيخنا مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله وكان يظهر من اجتماعهما كل فضيلة ويتهيأ للمرضى من المداواة كل خير وكنت في ذلك الوقت أتدرب معهما في أعمال الطب ولقد رأيت من حسن تأتي الحكيم عمران في المعالجة وتحققه للأمراض ما يتعجب منه ومن ذلك أنه كان يوما قد أتى البيمارستان مفلوج والأطباء قد ألحوا عليه باستعمال المغالي وغيرها من صفاتهم فلما رآه وصف له في ذلك اليوم تدبيرا يستعمله ثم بعد ذلك أمر بفصده ولما فصد وعالجه صلح وبرأ برأ تاما كذلك أيضا رأيت له أشياء كثيرة من صفات مزاوير وألوان كان يصفها للمرضى على حسب ميل شهواتهم ولا يخرج عن مقتضى المداواة فينتفعون بها وهذا باب عظيم في العلاج ورأيته أيضا وقد عالج أمراضا كثيرة مزمنة كان أصحابها قد سئموا الحياة ويئس الأطباء من برئهم فبروا على يديه بأدوية غريبة يصفها ومعالجات بديعة عرفها وقد ذكرت من ذلك جملا في كتاب التجارب والفوائد وتوفي الحكيم عمران في مدينة حمص في شهر جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وستمائة وقد استدعاه صاحبها لمداواته موفق الدين يعقوب بن سقلاب نصراني كان أعلم أهل زمانه بكتب جالينوس ومعرفتها والتحقيق لمعانيها والدراية لها وكان من كثرة اجتهاده في صناعة الطب وشدة حرصه ومواظبته على القراءة والمطالعة لكتب جالينوس وجودة فطرته وقوة ذكائه أن جمهور كتب جالينوس وأقواله فيها كانت مستحضرة له في خاطره فكان مهما تكلم به في صناعة الطب على تفاريق أقسامها وتفنن مباحثها وكثرة جزئياتها إنما ينقل ذلك عن جالينوس ومهما سئل عنه في صناعة الطب من المسائل والمواضيع المستعصية وغيرها لا يجيب بشيء من ذلك إلا أن يقول قال جالينوس ويورد فيه أشياء من نصوص كلام جالينوس حتى كان يتعجب منه في ذلك وربما أنه في بعض الأوقات كان يذكر شيئا من كلام جالينوس ويقول هذا ما ذكره جالينوس في كذا وكذا ورقة من المقالة الفلانية من كتاب جالينوس ويسميه
(٦٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 692 693 694 695 696 697 698 699 700 701 702 ... » »»