عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٩٨
وهذا البيت فما يكون موقعه بأولى مما هو في هذا الموضع فإنه قد جاء موافقا لما أورده ومطابقا للمعنى المقصود إليه مهذب الدين أبو سعيد محمد أبي حليقة أوحد العلماء وأكمل الحكماء مولده في القاهرة في سنة عشرين وستمائة وسمي محمدا لما أسلم في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الملكي الصالحي وهو فقد منحه الله من العقل أكمله ومن الأدب أفضله ومن الذكاء أغزره ومن العلم أكثره قد أتقن الصناعة الطبية وعرف العلوم الحكمية فلا أحد يدانيه فيما يعانيه ولا يصل إلى الخلائق الجميلة التي اجتمعت فيه لطيف الكلام جزيل الإنعام إحسانه إلى الصديق والنسيب والبعيد والقريب وصلني كتابه وهو في المعسكر المنصور الظاهري في شهر شوال سنة سبع وستين وستمائة وهو يعرب عن فضل باهر وعلم وافر وفطنة أصمعية وشنشنة أخزمية وتودد عظيم وإحسان جسيم ويقول فيه أنه وجد بمصر نسخة من هذا الكتاب الذي ألفته في طبقات الأطباء وقد اقتناها وصارت في جملة كتبه التي حواها وبالغ في الوصف الذي يدل على كرم أخلاقه وطيب أعراقه وكان في أول كتابه الواصل إلي (وإني امرؤ أجبتكم لمحاسن * سمعت بها والأذن كالعين تعشق) فقلت على الوزن والروي وكتبت إليه الجواب (أتاني كتاب وهو بالنقش مونق * وفيه المعاني وهي كالشمس تشرق) (كتاب كريم أريحي ممجد * صبيح المحيا نوره يتألق) (هو السيد المولى المهذب والذي * به قد زها في العلم غرب ومشرق) (حكيم حوى كل العلوم بأسرها * وما عنه باب للمكارم يغلق) (كريم لأنواع المحامد جامع * ولكنه للمال جودا مفرق) (إذا ذكرت أوصافه في محافل * فمن طيبها نشر من المسك يعبق) (حوى قصبات السبق في طلب العلا * ومن رام تشبيها به ليس يلحق) (إذا قال بذ القائلين بلاغة * ويصمت قس عنده حين ينطق) (ولو أن جالينوس كان لوقته * لقال بهذا في التطبب يوثق) (فما أحد يحكيه في حفظ صحة * ولا مثله في الجسم للداء يحدق) (إذا قلت مدحا في معالي محمد * فكل امرئ فيما أقول يصدق) (ولو رمت أحصي ما حواه من العلا * عجزت ولو أني البليغ الفرزدق)
(٥٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 ... » »»