عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٩٦
أقول وجماعة أهل الحكيم رشيد الدين أبي حليقة أكثر شهرتهم في الديار المصرية والشام ببني شاكر لشهرة الحكيم أبي شاكر وسمعته الذائعة فصار كل من له نسب إليه يعرفون ببني شاكر وإن لم يكونوا من أولاده ولما اجتمعت بالحكيم رشيد الدين أبي حليقة وكان قد بلغه أنني ذكرت الأطباء المشهورين من أهله ووصفت فضلهم وعلمهم فتشكر مني وتفضل فأنشدته بديها (وكيف لا أشكر من فضلهم * قد سار في المشرق والمغرب) (تشرق منهم في سماء العلا * نجوم سعد قط لم تغرب) (قوم ترى أقدارهم في الورى * بالعلم تسمو رتبة الكوكب) (كم صنفوا في الطب كتبا أتت * بكل معنى مبدع مغرب) (وإن شكري في بني شاكر * ما زال في الأبعد والأقرب) (خلدت مجدا دائما فيهم * بحسن وصف وثنا طيب) السريع وأما سبب الحلقة التي وضعت في أذن الرشيد واشتهر بها اسمه فإن والده لم يعش له ولد ذكر غيره فوصف له ووالدته حامل به أن يهيء له حلقة فضة قد تصدق بفضتها وفي الساعة التي يخرج فيها إلى العالم يكون صائغ مجهزا يثقب أذنه ويضع الحلقة فيها ففعل ذلك وأعطاه الله الحياة فعاهدته والدته أن لا يقلعها فبقيت ثم تزوج هو وجاءه أولاد ذكور عدة ويموتون كما جرى الحال في أمره فتبه إلى عمل الحلقة المذكورة فعملها لولده الكبير المعروف بمهذب الدين أبي سعيد لأنه سماه باسم عم المذكور ومن شعر الحكيم رشيد الدين أبي حليقة وهو مما أنشدني لنفسه فمن ذلك قال بحضرة سيف الإسلام (سمح الحبيب بوصله في ليلة * غفل الرقيب ونام عن جنباتها) (في روضة لولا الزوال لشابهت * جنات عدن في جميع صفاتها) (فالطير يطرب في الغصون بصوته * والراح تجلى في كؤوس سقاتها) (ومجالس القمر المنير تنزهت * فيه الحواس باسمها وكناتها) الكامل وقال أيضا (أحن إلى ذكر التواصل يا سعد * حنين النياق العيس عن لها الورد) (فسعدى على قلبي ألذ من المنى * وقربي لها عند اللقاء هو القصد) (حوت مبسما كالدر أضحى منظما * وثغرا كمثل الأقحوان به شهد) (وفرعا كمثل الليل أو حظ عاشق * ووجها كضوء الصبح هذا لذا ضد)
(٥٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 ... » »»