للملك ماري ولد مجذم فركب له الترياق الفاروقي بالبيت المقدس وترهب وترك ولده الأكبر وهو الحكيم المهذب أبو سعيد خليفته على منزله وإخوته واتفق أن ملك الفرنج المذكور بالبيت المقدس أسر الفقيه عيسى ومرض فسيره الملك لمداواته فلما وصل إليه وجده في الجب مثقلا بالحديد فرجع إلى الملك وقال له إن هذا الرجل ذو نعمة ولو سقيته ماء الحياة وهو على هذا الحال لم ينتفع به قال الملك فما أفعل في أمره قال يطلقه الملك من الجب ويفك عنه حديده ويكرمه فما يحتاج إلى مداواة أكثر من هذا فقال الملك تخاف أن يهرب وقطيعته كثيرة قال للملك سلمه إلي وضمانه علي فقال له تسلمه وإذا جاءت قطيعته كان لك منها ألف دينار فمضى وشاله من الجب وفك حديده وأخلى له موضعا في داره أقام فيه ستة أشهر يخدمه فيها أتم خدمة فلما جاءت قطيعته طلب الملك الحكيم أبا سعيد ليحضر له الفقيه المذكور فحضر وهو صحبته ووجد قطيعته في أكياس بين يديه فأعطاه منها الكيس الذي وعده به فلما أخذه قال له يا مولانا هذه الألف دينار قد صارت لي أتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم فقال له نعم فأعطاها للفقيه في المجلس وقال له أنا أعرف أن هذه القطيعة ما جاءت إلا وقد تركت خلفك شيئا وربما قد تدني لك شيئا آخر فتقبل مني هذه الألف دينار إعانة نفقة الطريق فقبلها الفقيه منه وسافر إلى الملك الناصر واتفق أن الحكيم أبا سليمان داود المذكور ظهر له في أحكام النجوم إن الملك الناصر يفتح البيت المقدس في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية وأنه يدخل إليها من باب الرحمة فقال لأحد أولاده الخمسة وهو الفارس أبو الخير بن أبي سليمان داود المذكور وكان هذا الولد قد تربى مع الولد المجذم ملك البيت المقدس وعلمه الفروسية فلما توج الملك فرسه وخرج المذكور من بين اخوته الأربعة الأطباء جنديا وكان قول الحكيم أبي سليمان لولده هذا بأن يمضي رسولا عنه إلى الملك الناصر ويبشره بملك البيت المقدس في الوقت المذكور فامتثل مرسومه ومضى إلى الملك الناصر فاتفق وصوله إليه في غرة سنة ثمانين وخمسمائة والناس يهنئونه بها وهم على فاميه فمضى إلى الفقيه المذكور ففرح به غاية الفرح ودخل به إلى الملك الناصر وأوصل إليه الرسالة عن أبيه ففرح بذلك فرحا شديدا وأنعم عليه بجائزة سنية وأعطاه علما أصفر ونشابة من رنكة وقال له متى يسر الله ما ذكرت اجعلوا هذا العلم الأصفر والنشابة فوق داركم فالحارة التي أنتم فيها تسلم جميعها في خفارة داركم فلما حضر الوقت صح جميع ما قاله الحكيم المذكور فدخل الفقيه عيسى إلى الدار التي كان مقيما بها ليحفظها ولم يسلم من البيت المقدس من الأسر والقتل ووزن القطيعة سوى بيت هذا الحكيم المذكور وضاعف لأولاده ما كان لهم عند الفرنج وكتب له كتابا إلى سائر ممالكه برا وبحرا بمسامحتهم بجميع الحقوق اللازمة للنصارى فأعفوا منها إلى الآن وتوفي الحكيم أبو سليمان المذكور بعد أن استدعاه الملك الناصر إليه وقام له قائما وقال له أنت شيخ مبارك قد وصل إلينا بشراك وتم جميع ما ذكرته فتمن علي فقال له أتمنى عليك حفظ أولادي فأخذ الملك الناصر أولاده وأعتنى بهم وأعطاهم للملك العادل ووصاه بأن يكرمهم ويكونوا من
(٥٨٨)