عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٧٧
على ما أورده الجوهري في ذلك وكنت يوما عند الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح في داره بدمشق وكان ذلك في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب البلاد المصرية والشامية والصاحب جمال الدين يومئذ وزيره في سائر البلاد وهو صاحب السيف والقلم وفي خدمته مائتا فارس وتجارينا الحديث وتفضل وقال لي ما سبقك إلى تأليف كتابك في طبقات الأطباء أحد ثم قال لي وذكرت أصحابنا الأطباء المصريين فقلت له نعم فقال وكأني بك قد أشرت إلى أن ما في الأطباء المتقدمين منهم مثل ابن رضوان وفي المتأخرين مثل ابن جميع فقلت له صحيح يا مولانا وحدثني بعض المصريين أن ابن جميع كان يوما جالسا في دكانه عند سوق القناديل بفسطاط مصر وقد مرت عليه جنازة فلما نظر إليها صاح بأهل الميت وذكر لهم أن صاحبهم لم يمت وأنهم إن دفنوه فإنما يدفنوه حيا قال فبقوا ناظرين إليه كالمتعجبين من قوله ولم يصدقوه فيما قال ثم إن بعضهم قال لبعض هذا الذي يقوله ما يضرنا أننا نمتحنه فإن كان حقا فهو الذي نريده وإن لم يكن حقا فما يتغير علينا شيء فاستدعوه إليهم وقالوا بين الذي قد قلت لنا فأمرهم بالمسير إلى البيت وأن ينزعوا عن الميت أكفانه وقال لهم احملوه إلى الحمام ثم سكب عليه الماء الحار وأحمى بدنه ونطله بنطولات وغطسه فرأوا فيه أدنى حس وتحرك حركة خفيفة فقال أبشروا بعافيته ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح فكان ذلك مبدأ اشتهاره بجودة الصناعة والعلم وظهرت عنه كالمعجزة ثم أنه سئل بعد ذلك من أين علمت أن ذلك الميت وهو محمول وعليه الأكفان أن فيه روحا فقال إني نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الذين قد ماتوا منبسطة فحدست أنه حي وكان حدسي صائبا أقول وكان بمصر ابن المنجم المصري وكان شاعرا مشهورا خبيث اللسان وله أهاجي كثيرة في ابن جميع ومن ذلك مما أنشدت له فيه (لابن جميع في طبه حمق * يسب طب المسيح من سببه) (وليس يدري ما في الزجاجة من * بول مريض ولو تمخض به) (وأعجب الأمر أخذه أبدا * أجرة قتل المريض من عصبه) المنسرح وله أيضا فيه (دعوا ابن جميع وبهتانه * ودعواه في الطب والهندسة) (فما هو إلا رقيع أتى * وإن حل في بلد أنحسه)
(٥٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 ... » »»