عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٦٢
ومن الرياضة التي تحفظ صحة البدن وأغتذي بعد الاستراحة من الرياضة غذاء أقصد به حفظ الصحة وأجتهد في حال تصرفي في التواضع والمداراة وغياث الملهوف وكشف كربة المكروب وإسعاف المحتاج وأجعل قصدي في كل ذلك الالتذاذ بالأفعال والانفعالات الجميلة ولا بد أن يحصل مع ذلك كسب ما ينفق فأنفق منه على صحة بدني وعمارة منزلي نفقة لا تبلغ التبذير ولا تنحط التقتير وتلزم الحال الوسطى بقدر ما يوجبه التعقل في كل وقت واتفقد آلات منزلي فما يحتاج إلى إصلاح صلحته وما يحتاج إلى بدل بدلته وأعد في منزلي ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والعسل والزيت والحطب وما يحتاج إليه من الثياب فما فضل بعد ذلك كله صرفته في وجوه الجميل والمنافع مثل إعطاء الأهل والأخوان والجيران وعمارة المنزل وما اجتمع من غلة أملاكي أدخرته لعمارتها ومرمتها ولوقت الحاجة إلى مثله وإذا هممت لتجديد أمر مثل تجارة أو بناء أو غير ذلك فرضته مطلوبا وحللته إلى موضوعاته ولوازمها فإن وجدته من الممكن الأكثر بادرت إليه وإن وجدته من الممكن القليل أطرحته وأتعرف ما يمكنني تعريفه من الأمور المزمعة وآخذ له أهبته وأجعل ثيابي مزينة بشعار الأخيار والنظافة وطيب الرائحة وألزم الصمت وكف اللسان عن معايب الناس وأجتهد أن لا أتكلم إلا بما ينبغي وأتوقى الأيمان ومثالب الآراء فأحذر العجب وحب الغلبة وأطرح الهم الحرصي والاغتمام وإن دهمني أمر فادح أسلمت فيه إلى الله تعالى وقابلته بما يوجبه التعقل من غير جبن ولا تهور ومن عاملته عاملته يدا بيد لا أسف ولا أتسلف إلا أن أضطر لذلك وإن طلب مني أحد سلفا وهبت منه ولم أرد منه عوضا وما بقي من يومي بعد فراغي من رياضتي صرفته في عبادة الله سبحانه بأن أتنزه بالنظر في ملكوت السماوات والأرض وتمجيد محكمها وأتدبر مقالة أرسطاطاليس في التدبير وآخذ نفسي بلزوم وصاياها بالغدة والعشي وأتفقد في وقت خلوتي ما سلف في يومي من أفعالي وانفعالاتي فما كان خيرا أو جميلا أو نافعا سررت به وما كان شرا أو قبيحا أو ضارا اغتممت به ووافقت نفسي بأن لا أعود إلى مثله قال وأما الأشياء التي أتنزه فيها فلأني فرضت نزهتي ذكر الله عز وجل وتمجيده بالنظر في ملكوت السماء والأرض وكان قد كتب القدماء والعارفون في ذلك كتبا كثيرة رأيت أن اقتصر منها على ما أنصه من ذلك خمسة كتب من كتب الأدب وعشرة كتب من كتب الشرع وكتب أبقراط وجالينوس في صناعة الطب وما جانسها مثل كتاب الحشائش لديسقوريدس وكتب روفس وأريباسيوس وبولس وكتاب الحاوي للرازي ومن كتب الفلاحة والصيدلة أربعة كتب ومن كتب التعاليم المجسطي ومداخله وما أنتفع به فيه والمربعة لبطلميوس ومن كتب العارفين كتب أفلاطن وأرسطوطاليس والإسكندر وثامطيوس ومحمد الفارابي وما أنتفع به فيها وما سوى ذلك إما أبيعه بأي ثمن اتفق وإما أن أخزنه في صناديق وبيعه أجود من خزنه أقول هذا جملة ما ذكره من سيرته وكان مولده في ديار مصر بالجيزة ونشأ بمدينة مصر
(٥٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 ... » »»