عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٦٣
وكان أبوه فرانا ولم يزل ملازما للاشتغال والنظر في العلم إلى أن تميز وصار له الذكر الحسن والسمعة العظيمة وخدم الحاكم وجعله رئيسا على سائر المتطببين وكانت دار ابن رضوان بمدينة مصر في قصر الشمع وهي الآن تعرف به وقد تهدمت ولم يتبين إلا بقايا يسيرة من آثارها وحدث في الزمان الذي كان فيه ابن رضوان بديار مصر الغلاء العظيم والغلاء الفادح الذي هلك به أكثر أهلها ونقلت من خط المختار ابن الحسن بن بطلان أن الغلاء عرض بمصر في سنة خمس وأربعين وأربعمائة قال ونقص النيل في السنة التي تليها وتزايد الغلاء وتبعه وباء عظيم واشتد وعظم في سنة سبع وأربعين وأربعمائة وحكي أن السلطان كفن من ماله ثمانين ألف نفس وأنه فقد ثمانمائة قائد وحصل للسلطان من المواريث مال جزيل وحدثني أبو عبد الله محمد المالقي الناسخ أن ابن رضوان تغير عقله في آخر عمره وكان السبب في ذلك أنه في ذلك الغلاء كان قد أخذ يتيمة رباها وكبرت عنده فلما كان في بعض الأيام خلا لها الموضع وكان قد أدخر أشياء نفيسة ومن الذهب نحو عشرين ألف دينار فأخذت الجميع وهربت ولم يظفر منها على خبر ولا عرف أين توجهت فتغيرت أحواله من حينئذ أقول وكان ابن رضوان كثير الرد على من كان يعاصره من الأطباء وغيرهم وكذلك على كثير ممن تقدمه وكانت عنده سفاهة في بحثه وتشنيع على من يريد مناقشته وأكثر ذلك يوجد عندما كان يرد على حنين بن إسحاق وعلى أبي الفرج بن الطيب وكذلك أيضا على أبي بكر محمد بن زكريا الرازي ولم يكن لابن رضوان في صناعة الطب معلم ينسب إليه وله كتاب في ذلك يتضمن أن تحصيل الصناعة من الكتب أوفق من المعلمين وقد رد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد وذكر فصلا في العلل التي لأجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصحف إذا كان القول واحدا وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا وصول المعاني من النسيب إلى النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب والنسيب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم وغير النسيب له جماد وهو الكتاب وبعد الجماد من الناطق مطيل طريق الفهم وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم فالفهم من النسيب وهو المعلم أقرب وأسهل من غير النسيب وهو الكتاب والثانية هكذا النفس العلامة علامة بالفعل وصورة الفعل عنها يقال له تعليم والتعليم والتعلم من المضاف وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس له بالطبع والنفس المتعلمة علامة بالقوة وقبول العلم فيها يقال له تعلم والمضافان معا بالطبع فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من الكتب والثالثة على هذه الصورة المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظ نقله إلى لفظ آخر والكتاب لا ينقل من لفظ إلى لفظ فالفهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب وكل ما هو بهذه الصفة فهو في إيصال العلم أصلح للمتعلم
(٥٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 ... » »»